أوضحت دراسة علمية جديدة، أن الأسرة القروية فقدت إمكانياتها التربوية منذ أن فقدت الميدان الذي توجه إليه طاقتها الإنجابية قديماً المتمثل في الحقل الزراعي، فبدأت بالاتكال على المؤسسة الدينية في قيادة الطفل ثقافياً وفي بلورة عقليتة تصوراته تجاه الحياة.وكشفت الدراسة، أن الأسر أجمعت أنها تقوم بتسيير التعليم الديني الأهلي جنباً إلى جنب مع المدرسي الرسمي، عازين دوافع ربط أطفالهم بالمؤسسة الدينية إلى دورها في تفتح عقلية الطفل للدراسة وللحياة ووقايته من حياة الشوارع. وأوضحت الدراسة، عيش أطفال القرى ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسة الأهلية الدينية كجزء من حياته اليومية سواء عبر دروس التحفيظ والتفقيه، أو خطب ما بعد الصلاة والبرامج المقررة على الطفل البالغ المتعارف عليها في الأوساط القروية. وبينت انتشار الظاهرة على السواء بين أسر ذات إنجاب مرتفع وأسر استمر ارتباطها بالحقل الزراعي إلى وقت قريب وأسر تعيش أوضاعاً ثقافية متدنية لا تساعدها على قيادة أجيالها في ظل حداثة البيئة وأسر ذات وعي وتعليم مرتفع. وربطت الدراسة ظاهرة تسيير الأسر القروية للتعليم الأهلي الديني جنباً إلى جنب مع التعليم المدرسي الرسمي بعدة مؤشرات، من بينها وجود فراغ تربوي أسري يعوض من خلال المؤسسة الأهلية، وتدهور المشاريع الاقتصادية الأسرية التي أنجبت الأسر من أجلها على المستوى التاريخي، ونجاح المؤسسات الأهلية في استقطاب الطاقة الشبابية، واندفاع القرويين إلى سياق ثقافي قروي ديني عام يعوض فراغهم بعد تدهور النظام الاقتصادي الاجتماعي التقليدي العام الذي كان يشغل الأسرة كخليفة منزلية واحدة على مدار اليوم في إطار من العمل الزراعي المكثف. وقال الباحث نوح خليفة تعليقاً على إنتاجه العلمي الجديد «الموسوم: الخصائص الاجتماعية لأسر قرى شمال البحرين - دراسة استكشافية»، أن العملية الإنجابية وعملية التنشئة تتمحور قديماً حول حقول الزراعة وتمثل العملية الزراعية مشروعاً اقتصادياً اجتماعياً يسهم في تنشئة الطفل وفق سياق اجتماعي اقتصادي خاص ينطوي تحت تأثيرات مشروع أسري بحت، حيث كانت الأسر لا تملك أوقاتاً لأي شيء آخر فقد أجمعت الأسر أن الحراك الديني لم يكن موجوداً ولا يجد أعضاء الأسرة أوقاتاً للتفرغ للشأن الديني والسياسي بسبب ثقل المسؤولية الفلاحية للأسرة بأكملها.وأضاف خليفة، أن السياق الاجتماعي الاقتصادي للأسر القروية بخليتها المنزلية بأكملها، تعمل قديماً على مدار اليوم وبقوة إنتاجية عالية وتوارثت الأجيال هذه الوتيرة المهنية في حياتها إلى وقت قريب وبموازات مهنهم الرسمية خلال حقبة ما بعد التطور، مبيناً أن الواقع الميداني ذو الطاقة الاعتيادية لا يشبع الطاقة العالية التي عرفها القرويون في حياتهم التقليدي وتوارثوها على المستويين التاريخي والمعاصر وأضاف خليفة «أما بعد الطفرة وتراجع الوجود البيئي للمشروع الأم للأسرة القروية المتمثل بنظم الإنتاج التقليدية نتج فراغ اجتماعي اقتصادياً في البيئة الحاضنة للطاقة الإنجابية العالية ما أفقد الأسر طاقتها القيادية للنشء من ثم برز فراغاً تربوياً مع وجود طاقة شبابية عالية استقطبتها المؤسسات الأهلية القروية، فاتجهت الطاقة إلى سياق ثقافي دينية ساهم في الاندفاع إليه تأثيرات خارجية فيما بعد، داعياً إلى أهمية إضافة معالجات ميدانية على الواقع المهني والتعليمي ترفع مستوى إشغال القرويين. وبين خليفة، أنه على الرغم من حدوث تحولات هامة في الحياة الاجتماعية للأسرة القروية في سياق تأثير نمط حياة الأم المتعلمة على الأبناء من حيث طبيعة الرعاية التي يتلقاها الأطفال وطبيعة إعدادهم للحياة العامة، ومقدرتها على تدريسهم وفهمهم على العكس تماماً فيما يتعلق بالأم الأمية التي كانت ترتبط بأعمالها التقليدية فقط، إلا أن الدراسة لم تثبت اختلافات بين الأم المتعلمة والأم غير المتعلمة في ظاهرة الارتكاز على المؤسسة الأهلية الدينية في عملية تنوير الأبناء حيث إن الأم المتعلمة وغير المتعلمة تمرر أطفالها من خلال القناة نفسها بالتوازي مع التعليم المدرسي الرسمي. وحذر نوح خليفة، في ضوء المؤشرات التي أعلن عنها من مغبة تأخر التخطيط لهوية اقتصادية أكثر إشغالاً للقرويين وتربوية أكثر ارتباطاً بالتغير الثقافي والمهني، داعياً إلى ضرورة رفع إمكانيات المدارس في المجالات القروية إلى أقصى درجات التمكين في تعويض الفجوات التي بينتها الدراسة ببنية المجتمع القروي الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرات تفرد الخصوصية الثقافية بالمجتمع وتراجع قوة تأثير المؤسسة الرسمية في إنتاج المجتمع ثقافياً، رغم تنامي حضور المؤسسات الدينية بكثافة في المجال القروي، وتأثر دور المدرسة القيادي في المقابلوبين خليفة أهمية إحداث تغيرات جذرية على أداء المؤسسة التربوية الرسمية على وجه السرعة، خصوصاً بعد التثبت من أن الطفل القروي يملك طاقة كبيرة مكنته من مسايرة التعليم الأهلي والرسمي في وقت واحد كجزء يومي من حياته ووجود مساحات متاحة في حياة الطفل يجب أن تستثمر في تشكيله للسوق المهني البحريني عوضاً عن انغماسه وتفرغه للشؤون غير الاقتصادية والمساهم في رفعة مستقبله الحياتي خصوصاً في مراحل حياته الأولى التي يجب أن تكون مرحلة إعداد وتشكيل للطفل تعده لبناء حياته ونهضة وطنه.وقال خليفة إن السياق الثقافي والتربوي العام في الوسط القروي، أدى إلى اتخاذ شباب القرى من التعليم الدينية مهنة لهم سواء من خلال نشاط شخصي خاص في منازلهم أو من خلال العمل في المؤسسة الخيرية أو في الموكب الحسيني أو مختلف المآتم والمساجد أو من خلال معاهد تعليمية كونوها إضافة إلى مراكز التحفيظ. يذكر أن الباحث نوح خليفة أعلن أن الدراسة الحالية جزء من جهود ميدانية مكثفة بذلها في المجال القروي بدأت بالظهور عبر صحف البحرين وتتكون من 5 أبحاث متعمقة سترى النور تدريجياً. وأعرب خليفة عن تقديره الكبير للصحافة الوطنية البحرينية لدورها الرئيس في نشر أبحاثه العلمية، وطرح كل ما من شأنه تمهيد الطريق أمام المسار التنموي في البحرين، مؤكداً اعتزازه الكبير واحترامه العميق لكل ذرة جهد صحفي يبذل من أجل البحرين ومستقبلها معلناً عزمه السير بوتيرة أقوى خدمة للمصلحة الوطنية العليا وبما يتوافق مع المسار الرسمي العام ومتطلبات تنمية المجتمع.