الخرطوم - (وكالات): توفي أمس المفكر الإسلامي السوداني حسن الترابي عن 84 عاماً إثر إصابته بذبحة قلبية في الخرطوم.كان الترابي سياسياً مخضرماً دخل السجن مرات عدة خلال مسيرته التي تواصلت على مدى 4 عقود. وبعدما كان من أبرز شخصيات نظام الرئيس السوداني عمر البشير على مدى عقد بعد انقلاب عام 1989، أصبح الترابي لاحقاً من أشد معارضي الرئيس السوداني، وقاد معارضة تدعو إلى «ثورة» في البلاد. ولطالما اتهمته السلطات بتقديم الدعم لحركة العدل والمساواة المتمردة في إقليم دارفور غرب البلاد. وفي مايو 2010 اعتقل الترابي بعد تنديده بانتخابات جرت معتبراً أنها «مزورة». والترابي كان السياسي السوداني الوحيد الذي أيد مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس السوداني من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة خلال النزاع في دارفور. واعتقل الترابي أيضاً في يناير 2009 بعد يومين على مطالبته البشير بتسليم نفسه للمحكمة الدولية. والمعروف عن الترابي أنه فقيه عمل على بناء دولة الإسلام السياسي، بعد أن أصبح العقل المدبر لـ «مجلس ثورة الإنقاذ» الذي نفذ انقلاب عام 1989 وأوصل البشير إلى السلطة. وافترق الترابي والبشير عام 1999 ليتحولا إلى خصمين لدودين. وعقب الخلاف بينهما أسس الترابي حزب المؤتمر الشعبي المعارض وصار أكثر المعارضين السودانيين شراسة في مواجهة حكومة البشير. ولد الترابي في كسلا شمال شرق البلاد من عائلة دينية من الطبقة المتوسطة، وتتلمذ على يد والده، الذي كان شيخ طريقة صوفية. حصل على إجازة الحقوق من جامعة الخرطوم، ثم على الماجستير من جامعة بريطانية في 1957، ودكتوراه من السوربون الباريسية في 1964. وإلى الفرنسية والإنجليزية، يتحدث الترابي الألمانية بطلاقة مما كان يسهل عليه الاتصال بوسائل الإعلام الأجنبية التي كانت تتلقف تصريحاته بشأن الثورة الإسلامية العالمية. بعد عودته من المهجر، أصبح الترابي الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامية لدى تشكيلها. وعن هذه الجبهة انبثقت جماعة الإخوان المسلمين في السودان. اعتقل 3 مرات خلال السبعينات في ظل نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري ومع ذلك شغل في 1979 منصب النائب العام. أيد الترابي قرار النميري إقرار الشريعة الإسلامية في 1983 ليكون الشرارة التي أطلقت الحرب الأهلية في الجنوب الذي يدين سكانه بالمسيحية أو يمارسون طقوساً تقليدية. وبعد سقوط نظام النميري في 1986، شكل الجبهة القومية الإسلامية وترشح إلى الانتخابات، لكنه فشل. وفي يونيو 1989، تحالف مع ضابط رقي للتو إلى رتبة فريق، هو عمر البشير، لقلب الحكومة المنبثقة عن انتخابات ديمقراطية برئاسة صهره زعيم حزب الأمة الصادق المهدي. ولكونه العقل المدبر لنظام الخرطوم، فرض الترابي قوانين صارمة مستمدة من الشريعة الإسلامية، أضرت خصوصاً بحقوق النساء، ما أدى إلى عزل السودان عن الأسرة الدولية. وطبع اتجاه الترابي السياسة الخارجية للسودان على خلفية «دعم المد الإسلامي بهدف التحرر من الهيمنة الأمريكية والصهيونية». وفي أبريل 1991، أسس المؤتمر الشعبي الإسلامي التوجه الذي نصب أميناً عاماً له، ليشكل منبراً للترويج لأيديولوجيته. وفي فبراير 2000، أغلقت السلطات مقر المؤتمر. وانتخب الترابي رئيساً للمجلس الوطني في 1996 و1998، وبدأ بتشديد قبضته على السلطة لكن علاقاته توترت مع البشير الذي عارض هيمنته على المؤتمر الوطني، الذي حل محل الجبهة القومية الإسلامية التي تم حلها في 1989 وتحول في ما بعد إلى حزب سياسي بموجب قانون التوالي السياسي، الذي أتاح تشكيل أحزاب سياسية وبدأ العمل به مطلع 1999. وقام البشير بإقصاء الترابي عن رئاسة المجلس الوطني وحله في 12 ديسمبر وأعلن حال الطوارىء وعلق بعض مواد الدستور. وجاء القرار بعد 48 ساعة من تصويت النواب على تعديلات هدفها الحد من صلاحيات رئيس الدولة. وفجر القرار الصراع على السلطة بين الرجلين وداخل المؤتمر الوطني.واتهم علماء سودانيون الترابي بـ«الزندقة والردة والخروج عن الملة» بعد إصداره فتاوى مثيرة للجدل. وطالب العلماء بعقد جلسة لاستتابة الترابي لعودته إلى الإسلام وتبرئته من فتواه بجواز إمامة المرأة وزواج المسلمة من غير المسلم نصرانياً أو يهودياً وإنكاره وجود نصوص من القرآن والسنة تمنع ذلك.