بقلم - خالد بن إبراهيم الفضالة *:إن التحديات الإقليمية والعالمية التي تواجه منطقتنا الخليجية متعددة الاتجاهات وبالغة التعقيد. وبدون أي شك، فإن أول هذه التحديات هي القضايا المتعلقة بالإرهاب والتطرّف الذي ترعاه بعض الدول، والأحزاب، والجماعات العابرة للحدود. وهو تحدٍّ بعيد المدى، لا يمكن القضاء عليه، بالسرعة أو بالسهولة، التي تتصورها بعض الدول الغربية، فاستئصال الفكر المتطرّف يتطلب تكاتف العديد من مؤسسات المجتمع المدني، المحلية منها والإقليمية، جنباً إلى جنب مع العالمية.أما التحدي الثاني فيتمثل في التدخل في الشؤون الداخلية للدول، خصوصاً من دول الجوار الإقليمي. وهذه التدخلات هي جزء من المحاولات المستمرة، لزعزعة استقرار المجتمعات الخليجية وتقسيمها على أسس طائفية ومذهبية، عن طريق ربط هذه المحاولات بالدين والمذهب.ويتمثل التحدّي الثالث في استمرار الفوضى وعدم التوازن في عالمنا العربي ككل. فنحن في حاجه لإعادة بناء الشرق الأوسط العربي، للخروج من حالة الفوضى، عبر إعادة الهيبة للدول العربية والأنظمة والحكومات، مع ضرورة التأكيد على مراعاة مصلحة الشعوب كافة دون تفريق عرقي أو مذهبي، كما يحدث حالياً في الدول التي تشهد صراعات أهلية مثل العراق، وسوريا، ولبنان الذي يتّجه نحو نفس هذا المصير، من خلال ما يقوم به «حزب الله» الإرهابي، من تمويل معلن للعمليات الإرهابية، والتحريض ضدّ الدول العربية.كما أن الوضع في اليمن تحدٍّ آخر، نتمنى أن يتجه إلى نهايته مع ما حققته قوات التحالف العربي، خلال الأيام القليلة الماضية، من فكّ الحصار عن تعز. فالتدخل العسكري من جانب قوات التحالف بقيادة الشقيقة المملكة العربية السعودية، كان يهدف منذ بدايته إلى عودة الحكومة الشرعية إلى إدارة شؤون البلاد. كما أن الوضع في سوريا تحدٍّ آخر بحاجة إلى توحيد الجهود العربية تجاهه، لدعم الحل السياسي المرجوّ، لهذا البلد الشقيق. فلا أحد يتمنى انهيار الدولة السورية أو تفكيكها، لأنه سيكون من الصعب جداً إعادة بنائها. ويجب على جميع الأطراف، المحلية، والإقليمية، والعالمية، تكثيف التعاون والجهود، لمواجهة تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي أوّلاً في سوريا، ومن ثم مطاردته في العراق.التنافس الإقليميلعل من أبرز ما خلقته الأزمة السورية في المنطقة، بعد انهيار العراق كدولة لها استقلاليتها، ودخول روسيا في الصراع الإقليمي، هو زيادة وتيرة التنافس الإقليمي على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط. وهناك تسارع غير مسبوق للكيفية التي تتمّ عليها التحالفات السياسية الإقليمية، علاوة على ديناميكية الأحداث نفسها. فالاستقطاب العالمي الذي أحدثته الأزمة السورية غير موازين الأحداث ومساراتها، فضلاً عن خلق تحالفات جديدة على المستوى الإقليمي. وللأسف فإن التبعات السلبية لهذه الأزمة لا يدفع ثمنها إلّا الشعب السوري نفسه، الذي أصبح أفراده بين نازح ولاجئ، وآخر يبحث عن لحظة السلام.ولعل هذا الأمر هو ما أجبر دول المنطقة، وخصوصاً الشقيقة المملكة العربية السعودية، على إعادة توجيه سياستها الخارجية، بما يتناسب مع متطلبات المواجهة مع هذه التحديات. والتاريخ أثبت بأن تحقيق التوازن الإقليمي يمكن -استراتيجياً- من خلال التحالفات الإقليمية والعالمية. كما أن تعزيز القدرات الذاتية- على المستويين السياسي والعسكري- كان أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى دولنا الخليجية.مناورات «رعد الشمال»ولمواجهة جميع التحديات السابقة، جاءت مناورات «رعد الشمال»، بمبادرة سعودية خالصة، ودعم خليجي غير مسبوق، وتأييد عربي وإسلامي، لتوجيه رسائل مهمّة إلى دول الجوار، والمجتمع العالمي -ولا يمكن فصل هذه التدريبات التي تعتبر الأضخم في تاريخ المنطقة، عن الحراك الدبلوماسي السعودي- ومن هذه الرسائل:* إن رحيل بشار الأسد أمر لابدّ منه، سواء عن طريق التوافق السياسي، أو الحل العسكري. فجاءت هذه المناورات في خضم دور سعودي إقليمي متزايد، شمل الإعلان عن إرسال مقاتلات حربية إلى قاعدة إنجرليك في تركيا، لاستهداف تنظيم «داعش» في سوريا، والاستعداد للمشاركة بقوات برية للغرض نفسه، كما أوضح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن روسيا الداعمة بقوة للنظام السوري عسكرياً، وسياسياً، «ستفشل في إنقاذ بشار الأسد».* إن وجود قوات عشرين دولة إسلامية، وبمشاركة حوالي 350 ألف عسكري، إلى جانب أكثر من 2500 طائرة حربية، و450 طائرة مروحية، و20 ألف دبابة، يكشف ضخامة وقوّة المناورات، وحجم الاستعدادات العسكرية التي ستتخذها الدول المتحالفة، للقضاء على الإرهاب، ومن يقف وراءه ويدعمه، من دولٍ، وأحزابٍ، وجماعات إرهابية.* إن مناورات «رعد الشمال» رسالة واضحة لإيران، بالكفّ عن التدخل في شؤون دول الجوار، إضافة إلى أنّ الدول الإسلامية والعربية جميعها متحدة تحت راية المملكة العربية السعودية، لمواجهة كافة التحدّيات.* إن السعودية أكثر جدّية نحو موضوع محاربة «داعش» والإرهابيين في المنطقة، من جميع الدول الأخرى، وأنها تستطيع اتخاذ كافة الإجراءات، لتحقيق الاستقرار في المنطقة.* إن مشاركة دول إسلامية وعربية، بهذه الضخامة، هي تدشين لعهد جديد من التعاون العسكري ضمن مسعى المملكة العربية السعودية لتشكيل تحالف إسلامي استراتيجي، مرتكزة فيه على بعدها الإسلامي.نهاية الجماعات الإرهابيةولاشك في أن هناك رابطاً قوياً بين مساهمة الدول العربية والإسلامية في المناورات، وبين إعلان السعودية نيتها إرسال قوات برية إلى سوريا، لمحاربة الإرهاب، أو لدعم المعارضة السورية، فقد يرى المحللون أن هذه المناورات أقرب لاستعراض القوة، منها للتدريب، فهي تجري في منطقة تماسٍّ حدودية مع مناطق صراع مفتوح، وقتال محتدم، وهذه المنطقة بحكم الجغرافيا مرشحة لأن تكون ساحة من ساحات المواجهة، في حال فشلت جميع الجهود الدبلوماسية، لإيقاف الحرب والتخلص من أسبابها.* رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات»