حذيفة إبراهيمأكد رئيس تحرير صحيفة «الوطن» يوسف البنخليل أن قمة قادة دول مجلس التعاون التي سيحضرها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تأتي كرد فعل على الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة الثقة المفقودة بين دول المجلس وواشنطن. مشيراً إلى أن الانتخابات الأمريكية المقبلة ستؤثر في التعاون الجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة، حيث أن هناك اختلافات كبيرة بين سياسات الجمهوريين والديموقراطيين.وأوضح رئيس تحرير «الوطن»، خلال ندوة (السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ..عوامل التحول، التداعيات، سيناريوهات المستقبل) بمركز الجزيرة الثقافي «أن تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، سيؤدي إلى تفاقم دور الجماعات الراديكالية أكثر، إذ ستدعمهم الولايات المتحدة ضد دولهم، فيما سيتم احتواء الجماعات المعتدلة من قبل حكومات المنطقة».وأكد البنخليل «من المستبعد أن تترك الولايات المتحدة الكم الهائل من المصالح في المنطقة، وتنسحب»، إلا أنه قدم 25 سيناريوهاً للأمريكان في المنطقة، وجميعها تعتمد على المتغيرات والأحداث المتسارعة في الآونة الأخيرة. مبيناً أن عاصفة الحزم، وعملية إعادة الأمل في اليمن، أثارتا مراكز البحث في الولايات المتحدة، إذ أشارت إلى أن دول مجلس التعاون تتولى أمورها بنفسها، ولم تحتج إلى مساعدة أمريكية كبيرة.كيري والمعارضةوفيما يخص اجتماع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في المنامة مع «المعارضة» على هامش مشاركته في الاجتماع مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون، أكد البنخليل أنه يعتبر تدخلاً وانتهاكاً للسيادة الوطنية، مؤكداً «ليس لدي علم إن كان الاجتماع تم بمعرفة الجهات المعنية في البحرين أم لا».وأوضح أن دول مجلس التعاون لم تفشل بالتعامل مع السياسة الأمريكية، وإنما عاشت صدمة تاريخية معها، مؤكداً أن الخليجيين لا يثقون بأمريكا.وشدد على وجود حالة من «العزوف السياسي» لشعوب المنطقة بشكل عام والبحرين خاصة، حيث انشغل الجميع في 2011 بالسياسة، إلا أنه الآن لا يوجد أي اهتمام سوى المواضيع الخدمية. مشيراً إلى أنه «عندما استلمت رئاسة تحرير «الوطن» في 2012، كان بريد القراء في الجريدة يضج بالمواضيع السياسية، إلا أنه في 2016 أصبحت المعادلة معكوسة ولا أحد يريد السياسة، والجميع مهتم بالشؤون المحلية أكثر».الخليج بدون الأمريكانوأشار البنخليل خلال الندوة إلى أن السيطرة الأوروبية على المنطقة كانت بمتوسط فاق الـ113 عاماً، سواء للبرتغاليين، أو الهولنديين، ثم الإنجليز، إلا أن الولايات المتحدة بقيت حتى الآن 45 عاماً فقط.وأكد أن فكرة «الخليج بدون الأمريكان» بدأت تصبح أكثر واقعية، وهناك مؤشرات كثيرة تؤكد بروز هذه الحالة، ولكن تعتمد على أحداث مختلفة ربما تعرقلها أو تسرعها».وشدد على وجود تحول في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط لأسباب مختلفة، إلا أنها لن تغادر بشكل كامل، إلا أن وصف «تراجع النفوذ ربما هو الأكثر دقة». مبيناً أن التراجع له عوامل من بينها داخلية أمريكية تتعلق بالمجتمع الأمريكي الذي يواجه تحديات منها ارتفاع معدل البطالة وبلوغ نسبة الفقر 15%، فضلاً عن وجود 48 مليون أمريكي يمرون بأزمات اقتصادية.وقال إن ارتفاع كلفة الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، يبلغ 17 مليار دولار شهرياً، من خلال القواعد في دول مجلس التعاون والقطاعات الأخرى في مياه الخليج، بمتوسط سنوي يقدر بـ209 مليارات دولار، أي ضعف ميزانية دولة الكويت. مضيفاً أن غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق كلفها أكثر من 700 مليار دولار.حماية أمن المنطقةوأكد البنخليل أن هناك تحولاً استراتيجياً في مفهوم حماية أمن الطاقة، كون مصالح الولايات المتحدة في المنطقة تتعلق بأمن الطاقة، وإسرائيل، مشيراً إلى أن الاعتماد الأمريكي على النفط الخليجي لا يتجاوز 28%، وأن الولايات المتحدة تعتمد على استيراد النفط من منطقة غرب أوروبا وأمريكا الجنوبية.وأكد أن استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة مكلف جداً، وبالتالي فإن الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد بشكل كبير عليه، كما أن بعض مصانع استخراج النفط الصخري أوقفت الإنتاج. وأشار إلى أن هناك «بيئة الفوضى المستمرة» في الشرق الأوسط، التي كانت من أولويات الرئيس أوباما، حيث أعلن عن استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، كما أنه تحدث عن إعادة التوازن في آسيا ومنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، ولذا أصبحت الولايات المتحدة تهتم بمنطقة جنوب آسيا. مؤكداً أن الاهتمام الأمريكي بجنوب شرق آسيا كونها دول نامية ومستقرة سياسياً وصاعدة اقتصادياً، لذا فإن العملية مجدية لواشنطن إذا ما انتقلت لتلك المنطقة، فضلاً عن أن نفوذ الصين الهائل هناك، ولن تفوت أمريكا فرصة خسارة «آسيا» بسبب الخليج. وأشار البنخليل إلى أن أمن إسرائيل من المصالح والثوابت الأمريكية، ولكن التحديات الأمنية ضد إسرائيل أصبحت أقل، والإنفاق العسكري الإسرائيلي قل خلال الـ10 سنوات الماضية، لذا فإن تراجع مهددات أمن إسرائيل يعني تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. وتابع «بعد الربيع العربي، خفضت إسرائيل نفقات الجيش وأعدادهم، وفي العام 2015، أجرت دراسة إسرائيلية قياساً للرأي العام الإسرائيلي، وأشارت إلى أن السعودية كانت تمثل تهديد استراتيجي لإسرائيل في السابق، إلا أن عدداً كبيراً منهم يقول أن إيران هي التهديد الأول لإسرائيل حالياً».انحسار النفوذ الأمريكيوحول العوامل الدولية لانحسار النفوذ الأمريكي في المنطقة، أشار رئيس تحرير «الوطن» إلى وجود عدة عوامل منها إعادة النفوذ البريطاني من خلال افتتاح القاعدة البحرية، إضافة للخطة الروسية لزيادة النفوذ في المنطقة، فضلاً عن تحالفات دول الخليج مع روسيا للتوازن في المنطقة. مؤكداً أنه إلى جانب البريطانيين والروس الذين يسعون لنفوذ في المنطقة، فإن الصين تعند قوى ثالثة، إذ أنها تستهلك 40% من النفط من الخليج، وفي مارس 2010، كانت هناك أول قطاعات عسكرية صينية تصل إلى الخليج العربي. وأشار إلى أن الهند تسعى لأن تكون القوى الرابعة في الخليج، بسبب وجود 5 ملايين هندي في المنطقة، يحولون 15 مليار دولار سنوياً.وأكد يوسف البنخليل، أنه بحسب دراسة أجراها حول اتجاهات الرأي العام الخليجي للسياسة الأمريكية في المنطقة، لقياس الثقة في الولايات المتحدة، أظهرت أن اتجاهات الرأي العام الخليجي كانت مثيرة، حيث 91% من الخليجيين لا يثقون بأمريكا، و62% لا يؤيدون التحالف معها، لذا فإن مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة انتبهت لذلك، ووصلت لحقيقة أن أمريكا مكروهة من شعوب دول مجلس التعاون، خاصة في ظل الاختلاف بين العلاقات الرسمية والشعبية.تداعيات التراجع الأمريكيوقال رئيس تحرير «الوطن» إن تداعيات تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة ستمر بـ3 مراحل، الأولى سيكون فيها التأثير قوياً جداً إذ ستشهد المنطقة فراغاً سياسياً، وهو يفتح المجال لقوة إقليمية ودولية أن تتصارع على ملء هذا الفراغ، ولو تراجع نفوذ الولايات المتحدة، سترتفع حدة المنافسة الإقليمية. متوقعاً أن تكون هناك حرب خليجية باردة مع إيران في حال تراجع النفوذ الأمريكي، وستشهد تلك الحرب سباق تسلح ومنافسة وصراع نفوذ إقليمي بين الخليج وإيران، إلا أنه لن تكون هناك مواجهات مباشرة بين المعسكرين.وأضاف «من تداعيات تراجع النفوذ الأمريكي هو فشل النموذج الأمريكي في الديموقراطية، والذي أنفقت عليه مليارات الدولارات لـ «دمقرطة» مجتمعات الشرق الأوسط من بينها الخليج، كون الشعوب أساساً رافضة لفكرة الديموقراطية المصطنعة والمعلبة من الخارج».وأكد أن هناك تأثيراً آخر للتراجع الأمريكي في دول مجلس التعاون يتعلق بدول العراق واليمن وغيرها من الدول في الشرق الأوسط، فضلاً عن وجود حاجة لدعم الاستقرار للأردن ومصر والمغرب.وأكد أن الجماعات السياسية المعتدلة سيتم احتواؤها من الحكومات، في المقابل فإن الولايات المتحدة التي تدعم الجماعات السياسية الراديكالية، ستستمر في دعمها ليكون شكلاً من أشكال الصدام الخليجي الأمريكي، الشبيه بموقف الولايات المتحدة من الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان.وأشار البنخليل إلى أنه «مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة ستبرز إيران كأولوية للولايات المتحدة، لاسيما بعد توقيع الاتفاق النووي في 2015، إلا أنه لن يكون هناك تحالف كالتحالف الأمريكي الخليجي السابق».وبين أن دول مجلس التعاون منخرطة في الحرب ضد الإرهاب، وبعد الانسحاب الأمريكي فلن تكون الولايات المتحدة هي العدو، وإنما ستبحث تلك الجماعات عن عدو جديد، ربما يكون حكومات دول الخليج.وفي المرحلة الثالثة من تداعيات تراجع النفوذ الأمريكي، أكد أنها ستشهد بروزاً لقوة خليجية عظمى، بدأت ملامحها في رعد الشمال وتحالف اليمن، فضلاً عن الصندوق السيادي الكبير للمملكة العربية السعودية، ومن المحتمل ظهور قوة خليجية لسد الفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة.العائلات المالكةوعن مستقبل العائلات الخليجية المالكة، قال البنخليل «من يقول ارتباطها بالدعم الأمريكي فهي وجهة نظر غير دقيقة، إذ سيكون هناك استقرار للعائلات الخليجية المالكة، بسبب طبيعة علاقتها مع شعوبها، وهي مختلفة عن طبيعة علاقة نظيراتها في دول أوربا وغيرها من الدول الأخرى، مع الشعوب». وأكد أن هناك فرقاً بين العائلات الملكية الأوروبية، والخليجية، إذ الأولى أعدادها محدودة جداً وليس بينها وبين شعوبها اندماج كما هو الحال في الخليج، حيث يمكن لأي مواطن عادي الإقامة في أماكن يقطنها أفراد من العائلة المالكة، كما أن أفراد العائلات المالكة في الخليج يعملون ويختلطون بالناس».سيناريوهات المستقبلوأشار البنخليل إلى أنه طرح في كتابه «الخليج بدون أمريكان» 25 سيناريو للمستقبل، أبرزها الرحيل الأمريكي التام من المنطقة، أما الثاني فإنه يتحدث عن تذبذب العلاقات بين الخليج وأمريكا، والثالث يشير إلى العودة للمربع الأول. وبين أن السيناريو الأول، والذي يشير إلى رحيل أمريكي من المنطقة، يعني اتخاذ قرار مفاجئ بمغادرة منطقة الخليج العربي. أما السيناريو المتذبذب، فأشار إلى أنه يعني استمرار الوجود العسكري، وانعدام الثقة بين الخليج وأمريكا، وهو أدق توصيف لوصف العلاقات الخليجية الأمريكية.وأكد وجوداً عسكرياً أمريكياً قوياً كما أن هناك قاذفات (b52) إلا أنه ليس هناك ثقة شعوب أو حكومات تجاه أمريكا، مشيراً إلى أن ذلك كان جلياً في الخلاف الخليجي الأمريكي بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وربما تشهد الفترة المقبلة المزيد من الخلافات بعد تصريحات أوباما ضد السعودية والإسلام. أما عن السيناريو الأخير وهو المربع الأول، فيتوقع عودة الثقة للعلاقات الخليجية الأمريكية، وسيعطي استمرار وتجديد للنفوذ الأمريكي في الخليج.التفاوت الخليجيوأكد البنخليل أن هناك تفاوتاً في التعامل الخليجي مع أمريكا، إذ أن هناك انقساماً بدا جلياً في قمة كامب ديفد من خلال التفاوت الكبير في التمثيل بين دول شاركت بالقمة، ومشاركة أخرى بأقل منها. وتابع «قمة الرياض ستبين إلى إي مدى دول مجلس التعاون منقسمة تجاه التعامل مع السياسة الأمريكية في المنطقة».وحول الاتفاقات العسكرية، أكد أنها مهمة، إلا أنه في السبعينات اتخذت البحرين قراراً منفرداً بإغلاق القاعدة العسكرية الأمريكية في المنطقة لحين انتهاء الأزمة، وهو يعطي مؤشراً بأن إمكانية إعادة السيناريو مطروحة.وشدد البنخليل على وجود تراجع كبير في حجم القوات العسكرية الأمريكية، وهذا مؤشر يبين وجود فرص لدول أخرى لتكون مع الدول العظمى. واختتم رئيس التحرير يوسف البنخليل «لا توجد إجابة واضحة حول الانسحاب الأمريكي من المنطقة وإمكانية حدوثه بأي سيناريو، بسبب المتغيرات المحلية والإقليمية السريعة، فالأسبوع الماضي لم يكن هناك حديث عن الجسر الرابط بين السعودية ومصر، الذي سيؤدي لتحولات هامة في المنطقة، كما أنه قبل شهر من الآن لم يكن هناك حديث عن صندوق سيادي ضخم سعودي، مشدداً على وجود أحداث تسرع من عملية الانسحاب، وأخرى قد تعيقه أو تمنعه.
البنخليل: فكرة «الخليج بدون الأمريكان» صارت أكثر واقعية
12 أبريل 2016