إنه لشرفٌ عظيمٌ لي أن أشارك في المؤتمر الدولي الخاص بالمغفور له -بإذن الله تعالى- صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل بن عبدالعزيزآل سعود، بعنوان «سعود الأوطان»، والذي يعقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بتنظيمٍ من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، لإلقاء الضوء على المسيرة العطرة للأمير الراحل، وبيان جهوده الكبيرة التي بذلها في خدمة الدبلوماسية السعودية، وما قدمه وأنجزه لمصلحة وطنه وأمته.فجميلة مبادرة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بعقد هذا المؤتمر الدولي، والأجمل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لهذه المبادرة، فالشكر موصولٌ لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية على هذه الدعوة والبادرة الكريمة.إن للمغفور له بإذن الله تعالى الأمير سعود الفيصل العديد من المواقف الداعمة لدول مجلس التعاون، بصورة عامة، ومملكة البحرين على وجه الخصوص، في المحافل الكبيرة والصغيرة، الإقليمية منها والدولية، وكان رحمه الله داعماً لكل ما يتعلق بأمن واستقرار مملكة البحرين. وقد سعدنا في مملكة البحرين بالمبادرة التي أطلقها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى، في الثامن والعشرين من شهر فبراير 2016، بإطلاق اسم المغفور له -بإذن الله تعالى- صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، على أحد شوارع مملكة البحرين الحيوية، وهو الشارع الدائري في منطقة الجفير، بمحافظة العاصمة، والذي دشنه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، تكريماً ووفاء للراحل الكبير، وكتعبير صادق، لما له من مكانة خاصة في قلوب قيادة وشعب البحرين، الذين رأوه خبيراً دبلوماسياً محنكاً، وواحداً منهم، ففقدنا رجلاً من أبرز رجالات الفكر والسياسة والدبلوماسية العربية والخليجية.لقد أدى الأمير الراحل دوراً دبلوماسياً عظيماً، خاصة خلال الأزمات التي مرت بالمنطقة، ومواقفه -رحمه الله- خلال الأحداث المؤسفة التي مرت بها مملكة البحرين عام 2011 لن ينساها شعب المملكة، ويقدرها بعظيم الإجلال والامتنان. وقد رفع سموه راية الدفاع عن سيادة ووحدة البحرين، لصد المؤامرة التي كانت تحاك ضدها، وجال سموه دول العالم، موضحاً الصورة الحقيقية للقاصي والداني، من الحلفاء والأصدقاء، وكانت كلمات سموه كفيلة بزرع الطمأنينة والأمن والأمان في قلوب المواطنين الخليجيين. كما كان دوره بارزاً في تواجد قوات درع الجزيرة، لحماية المنشآت الحيوية في المملكة إبان تلك الأحداث.نستذكر مقولة معالي وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة عن المواقف النبيلة لسمو الأمير سعود الفيصل بالقول «إن سمو الأمير الراحل كان يعتبر في هذه الفترة بمثابة وزير خارجية مملكة البحرين، بالإضافة إلى عمله»، وهي إشارة لا يدرك مغزاها إلا من سخر جل وقته وهمه لخدمة قضايا أشقائه. لقد كان سمو الأمير الراحل سعود الفيصل دبلوماسياً محنكاً، له قوة ومواقف يحترمها كل السياسيين على مستوى العالم، وكانت له بصماته الواضحة في رسم خارطة الدبلوماسية الخليجية، بشكل عام، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص. حيث كان له التأثير الأكبر في تعزيز الدبلوماسية الخليجية، وكان صاحب آراء مؤثرة، صنعت قرارات حاسمة في كثير من القضايا الإقليمية والدولية. ومن أبرز جهوده -طيب الله ثراه- التي نستذكرها، تدعيم مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية -منذ إنشائه عام 1981- نحو الوحدة الكاملة، وتعزيز العمل العربي المشترك، ومساندة قضايا الأمة العربية والإسلامية، في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وحل المشاكل والنزاعات الدولية بالسبل الدبلوماسية، وترسيخ قواعد الحوار والتعايش بين الحضارات والثقافات والأديان، وكان ملهماً في مواجهة الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة العربية.عاصر الفقيد العديد من القضايا والأزمات التي شهدتها المنطقة العربية، بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية، ومن ثم تفجيرات 11 سبتمبر، ثم الغزو الغاشم على دولة الكويت الشقيقة، وبعدها احتلال العراق، ثم اندلاع فوضى ما سمي بـ«الربيع العربي»، والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية. والمواقف الحازمة التي اتخذتها القيادات السعودية على مر العقود الماضية، كان سعود الفيصل أحد أهم المنفذين لتوجيهاتها، ومساهماً فاعلاً في تجسيد القرارات في كل تلك الأحداث.لقد ترك الفقيد الراحل إرثاً عظيماً، ومدرسة رائدة، في السياسة الخارجية الحكيمة والعقلانية، والحرص على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وترسيخ العدالة في العلاقات الدولية.وعلى الرغم من كل الصعاب، تمكن الأمير سعود الفيصل -بدبلوماسيته- من المحافظة على علاقات بلاده الطيبة مع الغرب، بعيدًا عن التوترات لفترات طويلة من الزمن، كما كان لاعباً رئيساً في مواجهة العديد من الأزمات الإقليمية. وقد كان -رحمه الله- صاحب موقع مؤثر في دوائر صنع السياسة الخارجية السعودية، طوال سنوات عمله، في منصب وزير خارجية المملكة العربية السعودية.لقد كانت حياة صاحب السمو الملكي الأمير الراحل سعود الفيصل حافلة بالعطاء، والعمل المتواصل، والمواقف المشرفة، في خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، ومليئة بالمواقف والمحطات التي تدل دلالة واضحة على حرصه -رحمه الله- على تحقيق السلام والأمن، في المنطقة، بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام.ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن ندعو الله -جلت قدرته- أن يتغمد أمير الدبلوماسية العربية، بواسع رحمته ورضوانه، وعظيم عفوه وغفرانه، وأن يسكنه فسيح جناته، إنه سميعٌ مجيب.* رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»