وكالات - أبدى صندوق النقد الدولي، أمس الخميس، تأييده لخطة الإصلاح الاقتصادي واسعة النطاق التي أعلنتها السعودية، وقال إن المملكة تخفض الإنفاق بالوتيرة المناسبة للتكيف مع العجز في الموازنة العامة، الناجم عن هبوط أسعار النفط.وفي أواخر الشهر الماضي، أعلن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن خطوات رامية لتقليص اعتماد المملكة على صادرات النفط خلال السنوات الـ 15 المقبلة، تتضمن خفض الدعم ورفع الضرائب وبيع أصول حكومية وتعزيز كفاءة الأداء الحكومي، إلى جانب جهود لتحفيز استثمارات القطاع الخاص.ويحث صندوق النقد الدولي السعودية منذ سنوات على تبني الكثير من تلك الإجراءات، وقال في بيان اليوم الخميس إن خطة الإصلاح تهدف إلى إجراء «تحول للاقتصاد السعودي واسع النطاق وجريء بما يلائم الوضع».وقال المسؤول في صندوق النقد الدولي، تيم كالين، بعدما قاد وفداً إلى السعودية هذا الشهر لإجراء مشاورات سنوية مع الصندوق: «من المتوقع أن توضح السياسات الداعمة التي سيتم الإعلان عنها في الأشهر المقبلة كيفية تحقيق هذه الأهداف».وأضاف: «لضمان نجاحها سيستلزم الأمر ترتيب الإصلاحات في تسلسل سليم حسب الأولويات، وتقييم الوتيرة المناسبة للتنفيذ بدقة».وتخفض الرياض الإنفاق وتسعى لجني إيرادات جديدة في ظل ما تواجهه من عجز في الموازنة بلغ إجماليه 98 مليار دولار في 2015. وتوقع صندوق النقد أن يظل العجز هذا العام ليقارب 14% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 16% العام الماضي.غير أن الصندوق رحب بخفض الإنفاق الحكومي وتعديلات أسعار الطاقة المحلية التي أعلنت في ديسمبر الماضي، قائلاً: «السياسة المالية تتكيف على نحو ملائم مع انخفاض أسعار النفط».وقال صندوق النقد أيضاً إنه يستحسن الطريقة التي تمول بها الحكومة عجزها من خلال السحب من احتياطياتها المالية، وإصدار أدوات دين في الداخل والخارج.وتوقع تقرير حول اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي انخفاض النمو الفعلي لدول الخليج في 2016 ليصل إلى 1.9 في المئة، قبل أن يقوى تدريجيا في 2017 ليصل إلى ما نسبته 2.5%، بينما يعكس تباطؤ النمو بشكل جزئي إلى انخفاض النمو الفعلي في قطاع الهيدروكربونات، غير أن السبب الحقيقي وراءه يكمن غالباً في انخفاض النمو غير النفطي، الذي كان بمنزلة المحرك الاقتصادي الرئيس على مدى السنوات القليلة الماضية.وأرجع التقرير الصادر عن «دويتشه بنك» هبوط النمو غير النفطي إلى حد كبير إلى الانخفاض في استهلاك واستثمارات القطاع العام، ولكنه أيضاً يعكس تباطؤا في الائتمان نظرا لمعايير الإقراض المصرفي الصارمة، وسحب الحكومات ودائع مصرفية. وربما يتضح التأثير الكبير الذي أحدثته أسعار النفط الزهيدة على اقتصادات دول مجلس التعاون بشكل أفضل، من خلال النظر في الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الاسمية، حيث يتم تعديل النمو الفعلي مقابل أسعار النفط المنخفضة بشكل كبير وفق مخفض الناتج المحلي الإجمالي «مقياس لتعديل الناتج المحلي الإجمالي بما يتوافق مع تطورات الأسعار». فمن حيث القيمة الاسمية، أدى الهبوط في أسعار النفط إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15.4% في 2015 ليصل إلى أدنى مستوياته منذ 2010، وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي، وفقاً لما نقلته صحيفة «الاقتصادية».وتوقع التقرير انخفاضاً اسمياً إضافياً بنسبة تصل إلى 5% تقريباً وذلك قبل أن يبدأ الناتج المحلي الإجمالي في التعافي تدريجياً على خلفية ارتفاع أسعار النفط. ويظهر التأثير بشكل أكثر وضوحا في الأرصدة المالية لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث أدى هبوط الأسعار إلى انخفاض حاد في الإيرادات الهيدروكربونية.وفي 2016، يتوقع أن تنخفض إيرادات النفط والغاز بنسبة 55% عما كانت عليه في 2014، بل أقل من أعلى مستوياتها المحققة في 2012 بنسبة 62%، ونظراً لانخفاض الإيرادات الكيدروكربونية، فمن المقرر أن تقل الإيرادات الحكومية الإجمالية إلى ما دون 60% من مستوياتها المحققة في 2014، وهذا يقلل إلى حد كبير من النطاق المالي لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي.وأشار التقرير إلى انخفاض الإنفاق العام في جميع دول مجلس التعاون تقريباً بمعدل إجمالي يصل إلى 6%، وكان هذا أول خفض كبير في الإنفاق العام بالنسبة للمجموعة بأسرها منذ بداية الألفية الثالثة، ومن قبل، سجلت النفقات العامة ارتفاعا بمتوسط سخي نسبته 16% سنويا بين عامي 2005 و2014، وهو ما تأتى من ارتفاع أسعار النفط، فضلاً عن الجهود التي بذلتها الحكومات بغرض التخفيف من آثار الأزمة المالية 2009/2008 والاستجابة للتحديات الاقتصادية الاجتماعية بفعل الانتفاضات المدنية التي بدأت في المنطقة العربية في بداية 2011.وقد أعلنت حكومات دول مجلس التعاون مزيداً من تخفيضات الإنفاق في ميزانياتها لعام 2016.وكانت الإمارات أول الدول التي عملت على تخفيض دعم الوقود والمضي بأسعار الوقود نحو أسعار السوق في منتصف 2015. وفي أواخر 2015 وبداية 2016، أعلنت السعودية وعمان وقطر عن زيادات في أسعار الوقود، وعلى الرغم من ذلك لاتزال أسعار البنزين أقل بكثير من المعدلات العالمية. وبشكل إجمالي، يتوقع التقرير انخفاض الإنفاق الرسمي بمعدل إضافي تصل نسبته إلى 6% في عام 2016.ولم تسهم الإيرادات غير النفطية وبالأخص الضرائب حتى الآن إلا بنسبة بسيطة في موازنات دول مجلس التعاون «لا توجد ضريبة قيمة مضافة ولا ضريبة على الدخل الشخصي». وكان الإعلان عن بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة 5% في دول المجلس اعتبارا من 2018 خطوة قوية للأمام، على الرغم من أنه من المتوقع أن تكون مصحوبة بإعفاءات على السلع الأساسية مثل المواد الغذائية. وفي ورقة عام 2015، قدر صندوق النقد الدولي أن تطبيق ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5% في دول مجلس التعاون يمكنه أن يحقق عوائد ضريبية نحو 1 ــ 2% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً. وعلى الرغم من أن هذا وحده لن يكون كافياً لمواجهة التحديات المالية التي تجابه دول المجلس على المديين القصير والمتوسط، لكنه يعد خطوة مهمة من أجل زيادة القبول الضريبي على نحو تدريجي كواقع اقتصادي لا مفر منه.وكتحول رئيس آخر في نموذجها المالي، اعتمدت السعودية في أبريل الماضي خطة إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العام للمملكة من أجل رفع رأسماله إلى تريليوني دولار كجزء من «رؤية 2030» الخاصة بها والرامية إلى تنويع اقتصاد المملكة ومصادر تمويل الدولة.ومن شأن الاستثمارات الاستراتيجية أن تسمح للحكومة بأن تحل العائد من الاستثمار محل العائد من النفط على نحو تدريجي «بالنسبة لبلدان مجلس التعاون الأخرى كالكويت وقطر يسهم العائد على صناديق الثروة السيادية الهائلة الخاصة بها بنسبة كبيرة في الدخل الحكومي». ومن المقرر أن تتألف أصول الصندوق جزئياً من البيع المخطط لنسبة قد تصل إلى 5% من شركة أرامكو، التي يقدر البعض قيمتها بأكثر من تريليوني دولار استناداً إلى الاحتياطيات الهيدروكربونية الهائلة للسعودية، وكذا من خصخصة الشركات الأخرى المملوكة للدولة. كما تخطط السعودية أيضاً لإدخال العمل ببعض الرسوم الجمركية وكذلك زيادة بعض الرسوم الحالية.
«النقد الدولي»: السياسة المالية السعودية تتكيف مع انخفاض أسعار النفط
20 مايو 2016