عواصم - (وكالات): نزحت مئات العائلات العراقية من مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار غرب البلاد جراء احتدام المعارك لتحرير المدينة من قبضة تنظيم الدولة «داعش»، مع اعتراض أمريكي على دور ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية، وتحذيرات من تحول القتال إلى انتقام طائفي، فيما بث ناشطون صوراً جديدة تظهر إهانة «الحشد الشعبي» للمدنيين النازحين من محيط المدينة، وارتكاب الميليشيات لانتهاكات وفظائع، ما دفع رئيس ائتلاف «متحدون» أسامة النجيفي إلى التنديد بالانتهاكات التي ترافق عمليات استعادة محيط الفلوجة، مطالباً رئيس الوزراء حيدر العبادي بتحمل المسؤولية. في السياق ذاته، قالت مصادر مطلعة إن اللغة المتداولة عبر أجهزة اللاسلكي في غرفة عمليات الفلوجة في العراق، بين ميليشيات «الحشد الشعبي» وقادة الحرس الثوري الإيراني هي «الفارسية»، بينما تتوسط غرفة العمليات صور للخميني مؤسس النظام الإيراني، في حين نشرت مواقع إيرانية صورة لقادة عسكريين إيرانيين يرافقون قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في معارك الفلوجة، من بينهم قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني محمد باكبور.من جهته، قال مراسل قناة «بي بي سي» البريطانية، جيم موير، الذي يغطي جبهة القتال ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في الفلوجة، إن الميليشيات الشيعية التي يقودها سليماني تتحدث بالفارسية عبر اللاسلكي، بينما في غرفة العلميات المشتركة يسمع تبادل الحديث بخليط من العربية والفارسية، مضيفاً أن قوات الجيش العراقي وحدها التي تتحدث بالعربية عبر الأجهزة اللاسلكية. كما تحدث موير عن رفع صورة المرشد السابق لإيران في غرفة العمليات العسكرية في الفلوجة، وكتابة شعارات «شكراً إيران» و«شكراً قاسم سليماني»، على بعض جدران الأجزاء المحررة من المدينة.ويخشى مراقبون وسياسيون أن تؤدي العمليات التي يشرف عليها قادة ومستشارون إيرانيون إلى القيام بأعمال انتقامية ضد سكان المدينة ذات الغالبية السنية وليس لتحرير المدنية من قبضة «داعش»، كما حدث في مرات سابقة.وكان نواب في البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار، عبروا عن رفضهم لوجود سليماني والقادة الإيرانيين في معارك الفلوجة، معتبرين ذلك انعكاساً للطابع الطائفي للعمليات، بينما ترفض كل من حكومتي طهران وبغداد سحب القوات الإيرانية من العراق. وأظهرت صور جديدة بثها ناشطون إهانة ميليشيات «الحشد الشعبي» للمدنيين النازحين من محيط الفلوجة، بضربهم وإجبارهم على التلفظ بعبارات مهينة بحق أنفسهم. وأعدت قناة «أيه بي سي» الأمريكية تقريراً استقصائياً عما سمتها فظائع القوات العراقية والميليشيات في الفلوجة، واصفة إياها بـ»الألوية القذرة والأيادي غير النظيفة» التي تحارب تنظيم الدولة في العراق. يأتي هذا فيما شنّ العبادي حملة ضد وسائل إعلام عربية، متهماً إياها بالتحريض على «الفتنة» خلال تغطية أحداث الفلوجة. من جهة أخرى، قال النجيفي إن الواقع يشير إلى أن عمليات استعادة محيط الفلوجة من تنظيم الدولة رافقتها انتهاكات غير مقبولة وعمليات خطف وإعدام جماعي لا تقرها القوانين ولا الأخلاق.وأضاف النجيفي أن الانتهاكات تقوم بها جماعات مسلحة تعمل خارج السيطرة وتهز مصداقية القائد العام للقوات المسلحة، حيث لم يَجرِ تحقيق مع من قام بهذه الأفعال. وحمّل النجيفي العبادي مسؤولية محاسبة من وجد في معركة الفلوجة «فرصة لإنزال العقوبات بالأبرياء»، مبيناً أن لهذه الأفعال تأثيراً على المعارك القادمة في الموصل والحويجة.ومن أربيل، قال رئيس شبكة منظمات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط حسين الشطب إن أهالي الفلوجة يدفعون ثمن الصراعات السياسية، موضحاً أن عناصر من ميليشيات الحشد يرتدون ملابس القوات الحكومية ويستخدمون كافة أنواع الأسلحة -بما فيها المحظورة دولياً- لارتكاب الانتهاكات.وأكد الشطب أن المعلومات التي تردهم تؤكد وقوع انتهاكات وإعدامات ميدانية في حق الأهالي، وأنهم يوثقون هذه الجرائم ويعملون على إيصال التقارير إلى المنظمات الدولية.وقالت مصادر عسكرية إن القوات العراقية أوقفت هجومها على الفلوجة خلال اليومين الماضيين بسبب اعتراض أمريكي على طبيعة الدور الذي تقوم به ميليشيات الحشد الشعبي المتهمة بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين.ويقضي اتفاق مسبق مع الحكومة العراقية بوجود المليشيات في الخطوط الخلفية للمعارك فقط، وأن يقتصر دورها على إسناد القوات العراقية.وكانت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قالت إن 240 عائلة نزحت من الفلوجة ووصلت إلى مخيمات في عامرية الفلوجة جنوب المدينة. ولكن المفوضية أشارت إلى أن المخيمات تفتقر للحد الأدنى من المستلزمات الأساسية.وكانت وزارة الهجرة العراقية أكدت وصول أكثر من 800 عائلة نازحة من قضاء الفلوجة إلى عامرية الفلوجة والحبانية.ومع اشتداد وتيرة القصف والمعارك في محيط الفلوجة، اضطرت عشرات العائلات العراقية إلى النزوح عبر نهر الفرات رغم خطر الغرق.في غضون ذلك، دعت الأمم المتحدة أطراف النزاع إلى السماح للمدنيين بالتحرك بحرية إلى مناطق أكثر أمناً في ظل تعذر مغادرة نحو 50 ألفاً، بينهم نحو عشرين ألف طفل في المدينة.وكان نواب سنة في البرلمان حمّلوا رئيس الحكومة حيدر العبادي المسؤولية عن أرواح المدنيين، وأعربوا عن مخاوفهم من تحول القتال «لتحرير» الفلوجة من تنظيم الدولة إلى انتقام طائفي.وأعلن مصدر طبي عراقي إصابة أكثر من ألف عنصر من قوات الأمن في المواجهات التي تخوضها القوات العراقية لاستعادة الفلوجة من سيطرة «داعش». من جانبه، قال وزير المالية العراقي هوشيار زيباري إن تنظيم الدولة «داعش» يخوض قتالاً شرساً في الفلوجة غرب بغداد وتوقع أن يحتاج الجيش العراقي وقتاً لاستعادة المدينة.وأضاف أن «الفلوجة ليست لقمة سائغة، يحتجز «داعش» السكان كرهائن ولا يسمح لهم بالفرار ويخوض قتالاً شرساً هناك». وقال زيباري «جماعة «داعش» متحصنة، الفلوجة مشكلة تواجه العراق الجديد منذ البداية، وقبل ذلك كانت قاعدة لتنظيم القاعدة وللمتمردين».وتابع زيباري «لا يمكن لأحد أن يحدد موعداً لتطهير الفلوجة من «داعش»، ويرجع ذلك أساساً للمقاومة وللعبوات الناسفة وللأنفاق» التي حفرها المقاتلون دون أن يتم رصدهم.وبدأت القوات العراقية بمساندة التحالف الدولي بقيادة واشنطن، منذ فجر 23 مايو الماضي، عمليات لتحرير الفلوجة من قبضة المتشددين الذين يسيطرون على المدينة منذ يناير 2014.