أُجيزت مؤخراً دراسة علمية أجرتها الباحثة فاطمة عبدالله خليل، للحصول على درجة الماجستير في الإعلام والعلاقات العامة من الجامعة الأهلية، والمعنونة بـ»معالجة الصحافة الخليجية للسياسة الخارجية الإيرانية» والتي اتخذت عينة قوامها الصحف الخليجية الست (الاتحاد، الرياض، السياسة، عمان، الكويت، الوطن «البحرينية»)، خلال الفترة (1/12/2015 – 29/2/2016). مستخدمة المنهج الوصفي الذي يعتمد على أداة تحليل المضمون.إذ استهدفت الدراسة الخوض في عمق المقال الصحفي في الصحافة الخليجية، والبحث في ما قدمه من مضامين حول السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الخليج العربي، والكشف عن ترتيب أولوياتها في نظرة شمولية للقضايا والأحداث التي تشكل الانشغال الخليجي في المرحلة الراهنة. كما ركزت الدراسة على البحث عن معالجة الصحافة الخليجية لقضايا السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الخليج العربي واتجاهاتها، إلى جانب التعرف على مسارات البرهنة والإقناع والأطر المرجعية التي استند إليها كتاب مقالات الرأي في طرح ومعالجة تلك القضايا، ومدى اتفاق واختلاف الصحف الخليجية في معالجتها للسياسة الخارجية الإيرانية. وكشفت الدراسة عن توزيع النسب والتكرارات لمضامين «ماذا قيل؟» أنه في المرتبة الأولى جاءت الفئة السياسية بنسبة «42.03%»، بينما في المرتبة الثانية جاءت الفئة الأمنية بنسبة «21.07%»، في حين أن الفئة الإنسانية جاءت في المرتبة الثالثة بنسبة بلغت (10.10%). وفي المرتبة الرابعة جاءت الفئة العسكرية بنسبة «10.08%»، وقد حلّت الفئة الدينية في المرتبة الخامسة بنسبة «7.12%»، وفي المرتبة السادسة جاءت الفئة الثقافية بنسبة «5.50%»، تلتها الفئة الاقتصادية بنسبة «4.11%».وفسرت الباحثة هذه النتيجة باهتمام كتاب مقالات الرأي في الصحافة الخليجية بالموضوعات السياسية في المقام الأول فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية، والارتباط الوثيق بين المعالجة السياسية وبين البعد الأمني الذي ركزت عليه مضامين المقالات. وأشارت الباحثة إلى أنه رغم توقع تقارب النسب بين الفئتين الأمنية والعسكرية في معالجة موضوع السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الخليج العربي، إلا أن نتائج الدراسة أظهرت أن للعوامل السياسية والأمنية -التي ركزت عليها مضامين المقالات- دوراً في بروز البعد الإنساني لدى الكتاب والذي جاء في المرتبة الثالثة من ترتيب الأولويات، وهو البعد الذي فصل بين ترتيب الأولويات المتوقع والمتلاحق ما بين الأمني والعسكري، وذلك لما يترتب على زعزعة الأمن وإشاعة الفوضى من انتهاك لحقوق الإنسان وحرمان الناس من حقوقهم الطبيعية في العيش الآمن المستقر.وأظهرت نتائج الدراسة أن البعدين الثقافي والديني لم يحظيا باهتمام كافٍ من قبل كتاب مقالات الرأي، رغم أنهما البعدان الأهم اللذين تستخدمهما إيران في اختراق منطقة الخليج العربي –كما تمت الإشارة إليهما في محورين مستقلين ومفصلين في الإطار النظري. ولعل تفسير ذلك أن نتائج هذين المحورين لا تظهر إلا مع مرور فترة زمنية طويلة على تنفيذها، ومن الصعب أن يتم تلمس نتائجها بصورة مؤكدة كما في الجانب السياسي والأمني لارتباطهما بالعوامل النفسية والإيمانية «العقائدية» للناس. كما أن السياسة والاقتصاد لطالما كانا وجهين لعملة واحدة، خصوصاً خلال فترة ولاية «بوش الابن» للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن العامل الاقتصادي لإيران في الصحافة الخليجية جاء متأخراً في ترتيب أولويات كتاب مقالات الرأي، وربما يعود ذلك للحصار الاقتصادي الطويل الذي عانت منه إيران خلال السنوات الفائتة، وأنه رغم رفع العقوبات عنها مؤخراً إلا أنها لم تحقق انتعاشة اقتصادية تمكنها من استغلال الورقة الاقتصادية في قضاياها السياسية بما يكفي.أما توزيع النسب والتكرارات للمضامين السياسية في الدراسة أظهر أنه في المرتبة الأولى أتى «التدخل في شؤون الآخرين» بنسبة «%29.19»، بينما في المرتبة الثانية جاء «انتهاك إيران للقوانين والأعراف الدولية»بنسبة «%22.67»، في حين أن «العلاقات الإيرانية الخليجية» جاءت في المرتبة الثالثة بنسبة بلغت «%11.64»، تلاها «تصدير الثورة الإسلامية» بنسبة «%11.13». وفي المرتبة الخامسة جاءت «النزعة التوسعية» بنسبة «%9.12»، وقد حلت «العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي» في المرتبة السادسة بنسبة «%6.33»، أما في المرتبة السابعة فجاء «المشروع النووي» بنسبة بلغت «%5.26»، تلته «العنصرية» بنسبة «%4.66». وتبين هذه النسب حجم ما يعانيه الخليج العربية من تدخلات إيرانية في شؤونه وشؤون الآخرين، وتكاد النسب اللاحقة تفسر نفسها عندما نلحظ التقارب ما بين فئة التدخل الإيراني في شؤون الآخرين بنسبة «29.19%» ونسبة انتهاك إيران للقوانين والأعراف الدولية البالغة «22.67%»، وهو ما يشير على أن إيران لا تحترم القوانين والأعراف الدولية ولا تأبه بها عندما تمارس تدخلاتها في شؤون الآخرين «حسبما يرى كتاب مقالات الرأي في الصحف الخليجية». كما يشير إلى ذلك أيضاً التقارب في النسب ما بين العلاقات الإيرانية الخليجية «11.64%» وتصدير الثورة الإسلامية باعتبارها مرتكزاً للسياسة الخارجية الإيرانية «11.13%»، والذي يبرر حالة عدم الاستقرار في العلاقات الإيرانية الخليجية لعدة أسباب تتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية، ومن أهمها سياسة إيران في تصدير الثورة الإسلامية لدول الجوار الخليجي ومجالها الحيوي، ويأتي في هذا السياق وبدرجة أقل طموحاً المد التوسعي الإيراني والذي حصل على نسبة (9.12%) تحت عنوان النزعة التوسعية.ورغم أهمية العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي، ومستوى ما تلقي به من ظلال على علاقاتها أو سياساتها على حد سواء فيما يتعلق بدول الخليج العربي، فإن تركيز كتاب مقالات الرأي على هذا الجانب جاء بنسبة «6.33%» وفي المرتبة السادسة، ما يعني غلبة السياسات الإيرانية الذاتية، والاستقواء الإيراني بإمكانياتها ومواردها الخاصة، كما يعني ذلك الاستقلالية النسبية العالية لإيران في سياساتها الخارجية تجاه دول الخليج العربي ومجالها الحيوي، وانخفاض مستوى تأثرها بسياسات الدول الأخرى أو توازناتها إزاء المنطقة. ورغم ما أثاره المشروع النووي الإيراني من جدل واسع النطاق على المستوى الإقليمي والعالمي، إلا أنه يأتي بنسبة متأخرة في ترتيب أولويات كتاب مقالات الرأي في الصحافة الخليجية «5.26%».وحول نقاط التباين والاختلاف بين صحف العينة وتبنيها للقضايا ذات العلاقة بموضوع الدراسة ومعالجتها، كشفت الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الصحف الخليجية المتعلقة بالعامل الاقتصادي لصالح صحيفة الاتحاد الإماراتية بنسبة مئوية بلغت «41.90%»، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء العلاقات التجارية بين الإمارات وإيران.وأظهرت الدراسة وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الصحف الخليجية المتعلقة بالعامل الأمني لصالح صحيفة «الرياض» السعودية بنسبة مئوية بلغت «31.38%»، وهو ما يفسر الاهتمام السعودي بأمن الخليج العربي كاملاً، وتحمله لتلك المسؤولية بالمقام الأول باعتبار السعودية دولة محورية في الخليج العربي. كما كشفت كذلك عن وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الصحف الخليجية المتعلقة بالفئة العسكرية لصالح صحيفة «الرياض» السعودية بنسبة مئوية بلغت «30.29%»، وهو ما يدعمه الرأي السابق ذو الارتباط بالعامل الأمني، لاسيما وأن المقدرات العسكرية السعودية في تزايد مستمر مع صفقات التسلح الدائمة التي تدخلها.وبينت الدراسة وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الصحف الخليجية المتعلقة بنوع القضية لصالح صحيفة «الوطن» البحرينية بنسبة مئوية بلغت «21.74%»، ووجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الصحف الخليجية المتعلقة بنطاق التركيز لصالح صحيفة «الوطن» البحرينية و»الرياض» السعودية بنسبة مئوية بلغت «20.37%».وخلصت الدراسة إلى جملة من التوصيات التي قدمتها الباحثة، جاء أهمها في ضرورة أن تصوغ الإدارة التحريرية للمؤسسات الصحفية الخليجية أجندتها الإعلامية بشكل واضح ضمن سياستها التحريرية الداخلية، والاتفاق على الأطر الخبرية التي ستتم معالجة القضايا في ضوئها وفقاً للاعتبارات القومية والوطنية لدول الخليج العربية. وأهمية إنشاء مراكز الأبحاث المتخصصة في الخليج العربي لدراسة السياسات والمختصة بالشأن الإيراني، وهي خطوة سبقت إليها السعودية مؤخراً بإنشاء «مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية» مؤخراً، ولكنها بحاجة لمزيد من الاهتمام من قبل كافة الدول الخليجية.