عواصم - (وكالات): فر سكان الفلوجة من المجاعة وظلم المتطرفين إلى مخيمات آمنة مع بدء العمليات العسكرية العراقية لاستعادة السيطرة على المدينة، لكن الآلاف من هذه الأسر العراقية لم تحصل حتى الآن على شيء لتأكله ولا على مكان لتنام فيه، بينما تعاني من اضطهاد ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية، بعد ثبوت تورط عناصر من تلك الميليشيات في عمليات تعذيب وقتل وإعدام لنازحين من المدينة. وقال أيوب يوسف «32 عاماً» أحد الفارين من الفلوجة «الحكومة قالت لنا اتركوا منازلكم وفعلنا ذلك، وصفوا لنا الحال كأننا سنذهب إلى الجنة». وأضاف «لست نادماً على مغادرة المدينة لأن بقائي هناك كان سيعني الموت. على الأقل نحن أحياء لكن نعيش في جحيم آخر». وأيوب وزوجته وطفلاه بين عشرات آلاف من أهالي الفلوجة الذين تركوا منازلهم جراء عمليات عسكرية تنفذها قوات عراقية لاستعادة السيطرة على المدينة من قبضة تنظيم الدولة «داعش». لكن التدفق المفاجئ للمدنيين إلى خارج المدينة خلال الأسبوع الماضي فاجأ منظمات الإغاثة وجعلها عاجزة عن تأمين ما يحتاجون إليه. ورفضت مخيمات عدة استقبال عائلة أيوب كونها ضاقت بالنازحين قبل وصولهم، ما دفعهم للتوجه إلى مخيمات أخرى واقعة على شاطئ بحيرة الحبانية لا تزال قيد الإنشاء. وتبعد هذه البحيرة 25 كلم غرب الفلوجة. وقضى أيوب وعائلته أربع ليال في العراء لأنهم لم يتسلموا حتى الآن خيمة تؤويهم. وقال «والداي حصلا أخيراً على خيمة في مخيم آخر، وسنحاول أن نذهب للنوم هناك هذه الليلة». وتحت شمس حارقة عند بحيرة الحبانية التي طالما كانت منتجعاً خلال العطل، احتشد رجال لنصب أقواس ووضع قماش سميك لنصب خيمة لهم. وقال طارش فرحان «47 عاماً» الذي لم ينته من وضع أقواس لخيمته «كنا نتوقع أن يكون هناك أماكن ملائمة للسكن، لكن لم يعطونا أي شيء، والآن علينا أن ننصب خيمنا بأنفسنا». وبدا الغضب واضحاً على إحدى الشابات التي رفضت كشف اسمها وقالت «أُرغمنا على العيش تحت قهر «داعش» والآن نعيش ظلما بشكل آخر». وأضافت «منذ 5 أيام نحن هنا بدون طعام ولا حتى قنينة ماء (...) هذا المخيم مثل باقي العراق»، وتابعت «إذا لم يكن لديك معارف لا تحصل على شيء». وقالت أيضاً بغضب شديد انعكس في عينيها من خلال النقاب «عار عليهم، لا يوجد حمام للنساء (...) علينا الذهاب إلى العراء». وفي مخيم آخر أُقيم سريعاً على ضفاف بحيرة الحبانية في منطقة الخالدية، تقدم منظمة اجنبية غير حكومية مساعدات غذائية اساسية. وكانت هذه الوجبة بالنسبة لكثيرين أول شيء يحصلون عليه في الأيام الأخيرة. وقد شكلوا صفاً طويلاً سعياً إليها وسط القيظ. وقالت حمدة بدي «41 عاماً» التي وصلت مع أطفالها الثمانية وهي حامل، «في آخر أيامنا في الفلوجة، كنا ننتزع أعشابا في الشارع لنأكلها». وأشارت إلى أن عائلتها تنقلت من مكان إلى اخر منذ بدء عمليات استعادة السيطرة على الفلوجة، أحد أبرز معاقل المتطرفين، فجر 23 مايو الماضي.وتواصل القوات العراقية تنفيذ عمليات لاستعادة السيطرة على القسم الشمالي من المدينة، لكن الأزمة الأكبر التي تواجه الحكومة الآن هي تلبية الحاجات الإنسانية. وقال رئيس المجلس النرويجي للاجئين في العراق نصر موفلاحي إن «ما نواجهه هو نتيجة تأخير وضعف التمويل مع الزيادة الكبيرة لأعداد النازحين الذين فروا من كابوس ليعيشوا كابوساً آخر». وأضاف «ربما تمت استعادة السيطرة على الفلوجة، لكن سكانها يواجهون كارثة». واللافت أن عائلات كثيرة نزحت في الأيام الأخيرة من دون رجال، فهؤلاء تحتجزهم السلطات لأيام عدة للخضوع للتدقيق الأمني بسبب محاولة مقاتلي تنظيم الدولة الفرار مع العائلات والمدنيين. وأطلق سراح ياسر زوج حمدة بعد أربعة أيام من احتجازه. وقال «تمكنا من الفرار من حي الجولان في الفلوجة حيث كنا نقيم لأن زوجتي كانت في المراحل الأخيرة من حملها، طلبنا من داعش السماح لنا بالذهاب إلى المستشفى فوافقوا». وأضاف «لكننا لم نعد حين وصلنا إلى المستشفى ومشينا سبع ساعات أجبرت خلالها على حمل زوجتي عبر القنوات، وحملت أيضاً ابني المعوق». وتابع «شاهدت في طريق فرارنا بعض العائلات تموت إثر تفجير داعش عبوات ناسفة بأفرادها. والأن نحن هنا وليس لدينا شيء نأكله ولا مال، وننتظر مولوداً جديداً».من ناحية أخرى، واصلت القوات المسلحة العراقية هجومها في سبيل انتزاع السيطرة على الفلوجة من «داعش» وطردت المتشددين من منطقتين في شرق المدينة وأجبرتهم على العودة إلى بضعة أحياء شمالية وغربية. وذكر بيان عسكري أن قوات مكافحة الإرهاب سيطرت على حي الشرطة شمال شرق المدينة فيما استعادت وحدات قيادة عمليات بغداد السيطرة على حي العسكري. ولا يزال «داعش» يسيطر على منطقتي الجغيفي والجولان شمال الفلوجة إلى جانب الضفاف الغربية لنهر دجلة. وأجبر القتال الذي دخل أسبوعه الخامس بهدف السيطرة على المدينة أكثر من 85 ألفاً من سكان الفلوجة على الفرار إلى مخيمات مكدسة تديرها الحكومة. وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الأسبوع الماضي إن استعادة السيطرة على الفلوجة سيمهد الطريق أمام زحف الجيش باتجاه الموصل معقل التنظيم المتشدد في العراق. وقال قائد عمليات الفلوجة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي إن القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة تتوقع أن يدور القتال الأخير في غرب الفلوجة. ويشن الجيش العراقي هجوماً لطرد المتشددين من أراض زراعية تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات وعلى الناحية الأخرى من منطقة مبان في الفلوجة يتخذ التنظيم منها قاعدة لنيران القناصة وهجمات المورتر. وقال العقيد أحمد الساعدي من الشرطة الاتحادية «الهجمات المتزامنة مستمرة ومن 4 اتجاهات لتضييق الخناق على مقاتلي «داعش» الذين يتحصنون في المنازل وبين المدنيين، نريد أن نمنعهم من التقاط أنفاسهم». وبدأت القوات الحكومية العملية في 23 مايو الماضي لاستعادة الفلوجة التي سيطر عليها المتشددون في يناير 2014 أي قبل 6 شهور من إعلانهم قيام دولة الخلافة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في العراق وسوريا.
سكان الفلوجة من ظلم «داعش» إلى جحيم الميليشيات والمخيمات
22 يونيو 2016