احتضن إستاد «ماراكانا» العريق في الساعات الأولى من صباح أمس الأول حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الحادية والثلاثين بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (أولمبياد ريو 2016) وسط أجواء احتفالية هائلة وكانت البساطة والرسائل الهادفة، خاصة فيما يتعلق بقضايا البيئة واللاجئين، أبرز سمات الافتتاح الذي شهد أيضاً ردود فعل مختلفة إزاء بعض الوفود المشاركة وسط حضور نحو 50 ألف متفرج.واضطرت البرازيل، التي تعاني في الوقت الحالي من أزمة سياسية واقتصادية، لتقليص ميزانية استضافة الأولمبياد بدءاً من تكاليف حفل الافتتاح التي لم تتجاوز نصف تكاليف حفل افتتاح أولمبياد لندن 2012، لكنها نالت في الوقت نفسه إعجاب الحضور من خلال الحفل الذي جاء ممثلاً لطبيعة البرازيل ومؤثراً من خلال رسائل مهمة إلى العالم.حضور سياسي رفيع المستوىوإلى جانب ميشال تامر الرئيس المؤقت للبرازيل، في ظل إيقاف رئيسة البرازيل ديلما روسيف، والألماني توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، شهدت مقصورة كبار الشخصيات بإستاد «ماراكانا» حضور عدد من القادة والرؤساء ورؤساء الحكومات وكبار الشخصيات.وكان من بين الحاضرين بان كي مون الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند والرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري وهوراسيو كارتيس رئيس باراجواي ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري بخلاف البلجيكي جاك روج الرئيس السابق للجنة الأولمبية الدولية.وعقب تقديم عدد من الفقرات الفنية ودخول وفود الدول المشاركة في الأولمبياد، أعلن ميشال رسمياً افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، ثم بدأ ترديد النشيد الأولمبي ورفع العلم الأولمبي وبعدها تولى العداء البرازيلي فاندرلي دي ليما إيقاد المرجل الأولمبي حيث كان آخر حاملي الشعلة الأولمبية.وفي بداية الحفل، جرى تقديم توماس باخ بينما نسي المنظمون أو ربما «تناسوا» تقديم ميشال تامر، وكانت حالة من الجدل أثيرت قبل حفل الافتتاح بشأن بعض الإجراءات الخاصة من المنظمين لمنع أي هتافات عدائية أو صافرات استهجان قد تتردد مع ذكر اسم تامر الذي ينوب عن الرئيسة الموقوفة ديلما روسيف، حيث لا يحظى بشعبية كبيرة في البرازيل كما يواجه رفضاً شديداً خاصة من قبل أنصار روسيف.استعراض فني ولمحة تاريخيةوشهدت أرضية الملعب في البداية مجموعة من العروض الفنية التي تستعرض تاريخ البرازيل بدءاً من الحياة البدائية على أرضها وحياة السكان الأصليين ومروراً بالغزو البرتغالي ثم توافد المهاجرين، وحتى آخر التطورات في التاريخ الحديث للبرازيل.بعدها وجهت ريو دي جانيرو رسالة هادفة ومؤثرة إلى العالم من خلال عرض صور من إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) تلقي الضوء على التغير المناخي المتمثل في ارتفاع معدلات الحرارة في مختلف المناطق بالعالم خلال الأعوام الأخيرة، وانحسار الجليد والتلوث البيئي بمعدلات عالية. وبدأ دخول الوفود وقد ساهمت أيضاً في رسالة بيئية حيث شارك الرياضيون في عمل رمزي يتمثل في وضع بذور الأشجار التي ستستخدم فيما بعد لإنشاء «الحديقة الأولمبية» في ريو دي جانيرو.ووفقاً للتقاليد الأولمبية، كان وفد اليونان أول وفد (من بين 207 دولة مشاركة) يدخل إلى أرض الملعب، بينما كان الفريق البرازيلي صاحب الضيافة آخر الوفود دخولاً بعد فريق اللاجئين الأولمبي.وكان من بين أبرز النجوم من حاملي أعلام الدول المشاركة، نجم السباحة الأمريكي مايكل فيلبس ونجم التنس البريطاني آندي موراي ونجم التنس الإسباني رفاييل نادال. وتباينت ردود فعل من حيث شكل الترحيب لبعض الوفود، فقد حظيت البعثة البرتغالية بواحد من أفضل أشكال الاستقبال من بين جميع البعثات الرياضية. كما نالت البعثتان الإيطالية والمكسيكية ترحيباً رائعاً من قبل الجماهير في المدرجات ولكن بدرجة أقل من بعثة البرتغال.أما الوفد الروسي الذي قاده لاعب الكرة الطائرة سيرجي تيتيوخين فقد دخل إلى أرض الملعب بابتسامة على وجوه أعضائه، رغم الاستقبال الفاتر حيث قوبل بمزيج من التصفيق وصيحات الاستهجان من قبل الحضور.ووضح النقص العددي في صفوف البعثة بعد إيقاف العديد من الرياضيين الروس نتيجة فضيحة المنشطات التي تفجرت في الفترة الماضية.وتلقت البعثة الأرجنتينية صافرات استهجان خلال دخولها، للتنافس التاريخي بين البلدين، وقد حمل لاعب كرة السلة الشهير لويس سكولا نجم فريق بروكلين نيتس الأمريكي العلم الأرجنتيني في مقدمة أفراد البعثة. ويأتي هذا على عكس الاستقبال والترحاب الحار من البرازيليين في المدرجات للبعثة الألمانية لدى دخولها إلى أرض الملعب رغم الهزيمة التاريخية الثقيلة 1 / 7 للمنتخب البرازيلي أمام نظيره الألماني قبل عامين فقط في المربع الذهبي لبطولة كأس العالم 2014 لكرة القدم بالبرازيل.ورغم طريقة استقبال البعثة الأرجنتينية، دافع الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري عن البرازيل قائلاً إن موجة الانتقادات التي تتعرض لها البرازيل بشـأن تنظيمها للأولمبياد هي انتقادات «ظالمة». وقال ماكري في تصريح نشرته وكالة الأنباء البرازيلية: «انتابني شعور سيئ في الأيام الأخيرة بسبب الانتقادات الموجهة للبرازيل لأن البرازيل تؤدي كل هذا العمل وسط ظروف داخلية عصيبة.والانتقادات تبدو ظالمة». وأضاف ماكري الذي كان ضمن أبرز الشخصيات الحاضرة في حفل افتتاح: «لدى توجيه الإهانة أو التقليل من شأن البرازيل فإنها تكون موجهة إلى أمريكا الجنوبية بأكملها». ترحيب حار بفريق اللاجئين الأولمبيوحظي فريق اللاجئين الأولمبي الذي يمثل اللاجئين من جميع أنحاء العالم، باستقبال حافل لدى دخوله تحت مظلة العلم الأولمبي، حيث تعالت هتافات الحضور بشكل كبير ترحيباً به في رسالة بارزة أخرى حملها حفل الافتتاح. وغاب عن الحفل أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه وقد لجأ إلى شبكات التواصل الاجتماعي لتكون وسيلته للمشاركة في الحفل.وأرجع بيليه «75 عاماً» غيابه لأسباب صحية علماً بأن العديد من التقارير أشارت سابقاً إلى أنه سيكون الشخص الذي يوقد المرجل الأولمبي.وذكر بيليه في تغريدة على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت: «سأكون هناك معكم بروحي وعقلي في إستاد ماراكانا. أتمنى أن يرعاكم الله». وقبل الافتتاح الرسمي للأولمبياد من قبل ميشيل تامر وإيقاد المرجل الأولمبي، ألقى كل من توماس باخ وكارلوس نوزمان رئيس اللجنة الأولمبية البرازيلية رئيس اللجنة المنظمة للأولمبياد كلمة أمام الحضور.«باخ» للجنة المنظمة.. حولتم الحلم إلى حقيقةوركز باخ على عمل اللجنة المنظمة ووجه رسالة خاصة إلى فريق اللاجئين الأولمبي بعد أن قدم التحية في البداية للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وكارلوس نوزمان وكل الحضور من أنحاء العالم.وقال باخ «هذا هو وقت الاستمتاع لكل العالم، إنها أول دورة ألعاب أولمبية في أمريكا الجنوبية، اللجنة التنظيمية والسلطات وكل البرازيليين يمكنهم الشعور بالفخر الليلة، أنجزتم في 7 سنوات فقط ما حلمت به كل الأجيال السابقة وحولتم المدينة الجميلة ريو دي جانيرو إلى مدينة أكثر جمالاً».وأضاف «إعجابنا بكم أكثر الآن لأنكم حققتم ذلك في وقت صعب من تاريخ البرازيل، كلنا نؤمن بكم، شغفكم بالرياضة وطريقة حياتكم تلهمنا..شكراً لكل المتطوعين، نحن نعيش في عالمنا هذا أزمات وحالات من قلة الثقة والخوف. لكن الرد على كل ذلك يأتي هنا، هنا الآلاف من أفضل الرياضيين في العالم يتنافسون ويعيشون السلم والأمل في قرية أولمبية يقتسمون فيها الأحلام والطموحات».وتابع «في هذا الأولمبياد يوجد عالم يوحد الجميع، الكل فيه متساوون، في هذا العالم الأولمبي نرى أن قيم الإنسانية هي أقوى من أي قوة تريد تقسيم الإنسانية..أدعو كل الرياضيين باحترام بعضهم البعض واحترام القيم الأولمبية التي تجعل الألعاب الأولمبية حالة منفردة في العالم». ووجه رسالة خاصة لفريق اللاجئين الذي يضم عشرة رياضيين ويشارك للمرة الأولى في الأولمبياد قائلاً «باحترام كبير نرحب بكل اللاجئين من خلال فريق اللاجئين الأولمبي. أيها الأعزاء نحن نبعث برسالة إلى ملايين اللاجئين في العالم، تركتم بلادكم بسبب ظروف قاسية من جوع أو حرب أو اختلاف والآن أنتم تقدمون الكثير من خلال روحكم الإنسانية».وأضاف «في العالم الأولمبي نرحب بكم إثراءً لوحدتنا وتنوعنا، هناك الملايين من البشر في كافة أرجاء العالم يساهمون في صناعة عالم أفضل من خلال الرياضة». ومن جانبه، شدد نوزمان على ضرورة التمسك بالحلم حتى تحقيقه، موجها التحية للحضور وتوماس باخ والسلطات البرازيلية والمتطوعين في العملية التنظيمية.وقال نوزمان «أتحدث إلى العالم كله، أتحدث إلى خمس قارات، نرحب بكم هنا في ريو دي جانيرو، هنا نقف لكتابة التاريخ، تاريخ يكتب بأيدي الرياضيين والمتطوعين والجماهير والشباب». وأضاف «الحلم الأولمبي بات واقعاً جميلاً، الأولمبياد جعل من هنا أفضل مكان في العالم الآن..البرازيل ترحب بالعالم، ونستقبل الجميع بأذرع مفتوحة، أنا الأكثر فخراً، أنا فخور بمدينتي وبلادي».وتابع «شعرت بالفخر عندما كنت بطلاً أولمبيا في دورة 1974..لنعمل الآن من أجل بناء الأولمبياد الحادي والثلاثين، هذه هي الدورة الأولمبية الأولى في أمريكا الجنوبية.. نود أن نستلهم الأمل من الرياضيين من أجل المستقبل». وأضاف «ريو دي جانيرو تفتخر بأن تكون العاصمة الأولمبية للعالم الآن، شكرا لكل المتطوعين والأسرة الأولمبية».ووجه رسالة لشعوب العالم قائلاً «يتوجب عليك أن تتمسك بحلمك دائماً، هذا كان حلماً كبيراً لنا في البرازيل وها هو يتحقق الآن، نحن لا نستسلم أبداً ولا نتنازل عن الحلم، هذه هي قوة الشعب».
«حضارة البرازيل» تضيء سماء الألعاب الأولمبية
07 أغسطس 2016