المستشار د. مال الله الحماديإن سلطات الإدارة الممنوحة لها في العقود الإدارية، ليست مطلقة، إنما هي محددة ولا تمارسها إلا إذا توافرت شروط معينة تستوجب استعمال تلك السلطات، وعلى الأخص ما يتعلق منها بتحقيق أهداف معينة للصالح العام، كما لا يعني أن الإدارة عند ممارستها لتلك السلطات أنها تستطيع الإخلال بالتزاماتها التعاقدية.ومن الأمور الواجب على جهة الإدارة الالتزام بها أثناء تنفيذ العقد الإداري، المدد المتفق عليها في العقد. ذلك أن هذه المدد لا ترتبط بالضرورة بالتزامات المتعاقد مع الإدارة، بل قد يتم النص في العقد على التزام جهة الإدارة باحترام المدد اللازمة للتنفيذ، ويكون ذلك ملزماً لها كما هو ملزم للمتعاقد معها، وعندها يتعين عليها احترام تلك المدد والتقيد بها.أما في حالة عدم النص في العقد على التزام الإدارة بتلك المدد، أو ورود الشرط المتعلق بها بصورة عامة، فإن القضاء الإداري يقرر مدداً معقولة للتنفيذ، يتعين على جهة الإدارة احترامها، وتعرض نفسها للمسؤولية إذا جاوزتها.ولاشك أن احترام كل من جهة الإدارة والمتعاقد معها للمدد المنصوص عليها في العقد، يعد من الالتزامات المهمة التي تتطلب التقيد بها في جميع الأحوال والتعامل معها بحسن نية. وإذا اعتبرنا أن تقيد جهة الإدارة بتلك المدد والتزامها بها يعد ضمانة للمتعاقد معها، من حيث إنجاز الأعمال موضوع التعاقد حسب الخطة الشاملة الموضوعة من قبله بما فيها تكاليفه وأرباحه، فإن ذلك يشكل -في ذات الوقت- ضمانة أيضاً لجهة الإدارة، من حيث الدقة في التاريخ المحدد للانتهاء من المشروع، وبالتالي الحفاظ على استمرارية تقديم المرفق العام لخدماته للجمهور، وعلى العكس من ذلك؛ فإن أي تأخير في التنفيذ -بعدم احترام جهة الإدارة للمدد المحددة في العقد- يترتب عليه تأخير في تسليم الأعمال موضوع التعاقد، الأمر الذي سوف يؤدي إلى عرقلة سير المرفق العام وتقديم الخدمات المطلوبة، ناهيك عما قد يسببه ذلك من مطالبة المتعاقد مع الإدارة للتعويض، وفي هذا خسارة أيضاً للمال العام.واحترام مدد التنفيذ لا يعني فقط المدة الإجمالية للتنفيذ، بل يشمل المدد الأخرى المتعلقة بتنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد، ومثال ذلك احترام الإدارة مدد أو تواريخ تسليم الموقع، وموعد بدء الأشغال، والمدد المحددة لتسديد الثمن والدفعات تحت الحساب، ومدد تسليم الخرائط والرسومات للمتعاقد والمدد المحددة لاستخراج التراخيص اللازمة، وغير ذلك من المدد المماثلة.وفي هذا الشأن؛ قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية بأن التزام الجهة الإدارية بتسليم المتعاقد مواد البناء يعني بحسب النية المشتركة للمتعاقدين -تسليم المتعاقد تصاريح الحصول على مواد البناء، وليس مواد البناء ذاتها- وعلى المتعاقد تقديم التصاريح للجهة القائمة على توزيع هذه المواد ودفع ثمنها واستلامها، ومن ثم ينقضي التزام الجهة الإدارية في هذا الشأن بمجرد تسليم التصاريح خلال المدة المتفق عليها بغض النظر عن تاريخ استعمالها. وعليه، فإن تسليم المتعاقد تصاريح مواد البناء بعد المدة المحددة لتسليمها، متى ثبت أن زيادة أسعار مواد البناء ترجع إلى تأخير تسليم التصاريح، فإن على جهة الإدارة تعويض المتعاقد بدفع قيمة فروق الأسعار.كما قررت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري أنه «إذا استطالت مدة التأخير في صرف المقابل بسبب عدم توفر الاعتماد المالي وتجاوزت مدة توقف الأعمال الحد المعقول نتيجة لذلك، فإن لجهة الإدارة في هذه الحالة أن تعيد النظر في الأسعار المتعاقد عليها أصلاً وذلك في ضوء الأسعار السائدة عند مواصلة التنفيذ حتى لا تختل اقتصاديات العقد وتجور المصلحة العامة على المصلحة الفردية على نحو يعوق المتعاقد مع الإدارة عن النهوض بتنفيذ التزاماته، وليس في ذلك ما يخالف النظام العام، إذ إن قواعد العدالة ومقتضيات حسن النية التي تظلل العقود جميعاً تتأبى وتمسك جهة الإدارة بتنفيذ الأعمال موضوع العقد بذات الأسعار المتعاقد عليها إذا ما تراخت في أداء التزاماتها المتقابلة، وذلك متى قدمت الجهة الإدارية -خروجاً على الأصل المتقدم- أن عدم تنفيذها لالتزاماتها على النحو المتقدم قد أعجز المتعاقد معها عن تنفيذ التزامه في الموعد المحدد.وعليه فإن مسألة احترام جهة الإدارة للمواعيد المنصوص عليها في العقد تعد من المسائل المهمة جداً التي يتعين عليها احترامها والتقيد بها تطبيقاً لمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود، ومن جانب آخر تفادياً لما قد يجره إخلال جهة الإدارة بتلك المدد من مشاكل بينها وبين المتعاقد معها ومن ثم تأخير التنفيذ وتعطل مصالح الجمهور، ناهيك عن مطالبة المتعاقد معها بالتعويض والدخول في إجراءات المحاكم الطويلة.