كان للفراغ السياسي في العراق الذي خلفه سقوط النظام البعثي السابق 2003 الأثر الواضح والدور الفاعل في خلق اجواء جديدة وتشكيل حراكات وأفكار وأيديولوجيات سياسية شرقية وغربية غريبة ، وظهور توجهات وتيارات دينية جديدة ، لم تعهد مثلها الساحة العراقية سابقاً ، الوضع الذي أسفَرَ عن أزمات طويلة وعريضة دهماء ظلماء متعددة الأتجاهات والأنتماآت ، ومخاض عسير مؤلم ترشح عن صراعات ومؤامرات ونزاعات ومخططات تنم جميعها دون إستثناءات عن نوايا وأهداف ومطامح ومطامع سرية ومعلنة لدول كبرى غربية وأخرى دول شرقية ومنافع ومصالح شخصية ودولية إقليمية عربية وأسلامية كلها إتفقت وتعاقدت وتآمرت وتعاونت على تفتيت العراق وتمزيقه ونهبه وسلبه وسفك دمائه وسرقة خيراته ، وطَفَت على ساحته شخوص ومسميات غير معروفة ورموز وعناوين لم يكن لها وجود أو أثر يُذكر في الشارع الداخلي والخارجي العراقي سواء أكان هذا الأثر في محفل سياسي او وطني او انساني ولم يسجل لنا التأريخ النظالي والثوري القريب لهذه العناوين كما يدعي أكثرهم ممن يشغلون مناصب وواجهات سياسية او اجتماعية الآن أي موقف مؤثر ومشرف في المحافل الآنفة الذكر .كذلك ليس لهذه الشخوص والتيارات والأحزاب مهما كانت توجهاتها ومسمياتها أي محسوبية او فضل على عملية التغيير او - الاستبدال النظامي - اذا جاز لنا التعبير ، لأن هذا التغيير أو الأستبدال النظامي الحكومي بكل بساطة لم يتأتى نتيجة عمل ثوري جماهيري وقيادة نخبه السياسية او الدينية او الاجتماعية المثقفة او هو نتيجة عملية انقلاب سياسية او عسكرية هدفها الانتفاضة والتغيير معبرة عن أرادة الشعب وتطلعاته ... بقدر ماهي عملية إستبدال نظام دكتاتوري وحكم فردي مفروض سبق تنصيبه من نفس القوة التي أسقطته وأنهت حكمه ، ولافضل يحسب لأي حزب أو جهة او افراد او عناوين اسلامية او علمانية او أيٍ كان فكرها وتوجهها من الأحزاب الحاكمة والرموز المتسلطة والمتنفذة الآن على البلاد في هذه العملية وهذا التغيير وهذا الأستبدال الذي فُرِض على الواقع العراقي ! بل أن مجريات الأحداث ومنذ ماقبل سقوط النظام البعثي المقبور قد أثبتت للجميع وبما لم يعد خافياً تورط جميع هذه الأحزاب والتيارات والرموز والعناوين السياسية والدينية والأجتماعية وإتفاقها في المؤامرة على بيع العراق وتسليمه بكل بساطة للقوات الغازية والتي عَبَّرَ عنها البعض من نفس هذه الجهات وأسمتها ب - القوات الصديقة - وقوات الحلفاء - والقوات الفاتحة - والقوات المحررة - وقوات الأصحاب - وغيرها من المسميات المشرعنة .من هنا وفي هذا الخضم المتأزم والحراك المرتبك يبدو واضحاً للجميع عِظَم المأسات المرعبة ومدياتها التي وَلّدَها الفراغ السياسي الذي مَرَّ على العراق وإنحساره عن أزمات وويلات ومظالم ومفاسد أكبر وأعظم من سابقتها والتي لايبدو لها نهاية من قريب .ومما أفرزه الفراغ السياسي الحاصل والمقصود عقب سقوط النظام البعثي السابق هو أن تشكلت تكتلات وتيارات اسلامية وحزبية ، كانت ضمن المخطط والمؤامرة المرسومة مسبقاً بين مِحوَري السياسة الخارجية الشرقية ، والغربية ، والأقليمية العربية والأسلامية وتدخلها في الشؤون العراقية الدور والأثر البارز والملموس في دعمها وتقويمها وتقويتها لوجستياً وفكرياً وأعلامياً وبنائها قاعدياً وزجَّها في المعترك السياسي العراقي من أجل الحصول على مساحة سياسية ومكاسب إقتصادية وفكرية وملئها بما يتناسب مع أطماع وأهداف تلك السياسات وبما ينسجم مع غاياتها من خلال نتائج ومُعطيات عملها ومهامَّها للمراحل السياسية والأجتماعية القادمة ، وفي النقيض :لم تشهد الساحة السياسية الداخلية في العراق خلال الفترة الحرجة المنصرمة ولحد الآن أي أنموذج إنساني خَيِّر واعي مدرك مثقف بين زعماء وشخوص هذه التيارات والأحزاب من يمتلك الروح النزيهة والنفس الوطني الشريف والضمير الحي رغم وجود الشرعية الأنسانية والأخلاقية والتأريخية والأسلامية وغيرها من أجازات الشرف والفضيلة ، من يَتَبَنّى المشروع الوطني الحقيقي بكل قوة وأصالة ونزاهة وعدل وشرف وإنصاف ، ويسعى بحق يدفعه حِسِّ المبادرة والمساهمة بتفاني وأخلاص وأيثار الى رفع الظيم والحيف والمظالم والمفاسد التي وقعت على العراق وشعب العراق ، ودفع المكاره التي حَلَّت على البلاد ، وأيقاف نزيف الدماء بالوقوف بوجه الفساد والمفسدين والأرهاب والأرهابيين ومحاربتهم ، ما خلا نداءات " أُحادية فردية " قوية تطلقها ظواهر إجتماعية وطنية ، صُمَّتْ عنها أذان الآخرين وعَزَفَ المجتمع عن سماعها .الجميع يتفق على أن الأحزاب والأفراد والتيارات المحسوبة على الوطنية والتغيير رغم جهوزها شعبياً الى حَدٍ ما في الوقت الحالي ! قد بدأت تفقد هذه الشعبية وهذا الظهير الجماهيري ، خاصة بعد الفشل الأجتماعي والسياسي الذي مُنِيَت به ، وخيانتها للجمهور العام ، وعدم وفائها بوعودها ومواثيقها التي قطعتها على نفسها حتى مع قواعدها الشعبية وأرضيتها ، وإذاما بقيت الأوضاع السياسية والأدارية والخدمية والأقتصادية والأمنية في العراق بِتَداعٍ وتأزم مُستمر ! سوف لا يبقى لهم أي جِذعٍ يستندون عليه ولا جذور تربطهم بهذه الأرض ، حينها لن يبقون في العراق وسيلوذون بالفرار .لذلك المطلوب الآن من هؤلاء الساسة وباقي الأحزاب والتيارات التي لازالت تتنطع وتتشبث بشعارات التغيير :سرعة التحرك الآن وليس الغَد في كل المجالات لأنقاذ ما يمكن إنقاذه وإنتشال ما يمكن إنتشاله ، ولامجال بعد الآن للتعالي والنظرة الفوقية للمجتمع ، والترفع عن الحديث والتكلم بالقضايا الجدلية وترك القضايا الستراتيجية الحيوية دون اجوبة وقناعات ايجابية ! فالأنتظار ليس في صالحكم ولن يفيدكم في شيء ، المطلوب منكم الآن التحرك الفاعل والملموس بما يخدم ويعود على العراق وشعب العراق بالخير والأمن والأمان والتعويض عن كل ما فات من نقص لكافة البُنى بتفعيل الطاقات الجماهيرية ودعمها ماديا ومؤسساتيا وتوفير كل الفرص والأرضيات لأستثمارها ، وألا فإن الأنتخابات قادمة ! فلا تحسبوا أن من سينجح فى الانتخابات البرلمانية القادمة هو الأكثر تنظيماً أو الأكثر قدرة على الحشد والتعبئة .. بل سينجح فى الانتخابات هم من تواصل مع الناس بشكل مباشر ، وليس من حَدَّثهم وهو شامخ على المَنَصَّة أو هو واقف خلف المايكروفون .. المطلوب تحركات شخصية حقيقية فاعلة وليست إعلامية زائفة فارغة ، وفوق هذا وذاك ، سينجح الأكثر قدرة على التطبيق ! تطبيق مفهوم الحملات الانتخابية بشكل ناجح ، والأكثر قدرة على توظيف مدخلاتها ومبادئها وغاياتها المؤسسة بشكل ملموس وفعال ، والأكثر قدرة على استخدامها في تطمين الشعب وإفادته ، وبث روح الثقة والعمل والتعاون فى مستقبله .ورسالة ضمير نوجهها الى شعبنا ومجتمعنا :كفانا أستهانة بأنفسنا وكفانا أستخفافاً بعقولنا وكفانا سكوة على مطالبنا وكفانا صمتاً على حقوقنا وكفانا تنازلات عن إرادتنا وكفانا محسوبية وإنتماءات على حساب ديننا ووطننا وشعبنا وكفانا تبعية لغير وطننا وأرضنا وعروبتنا ، علينا جميعاً أن نُحسنَ الأختيار في من يُمَثِلَنا من جديد ، ولا ننخدع كما خُدِعْنا في السابق ، فالشارع السياسى والأنتخابات هو التحدى الأكبر لنا ، وإلا فبشِّروا أنفسكم ببقائكم تحت مطرقة السُرّاق والظالمين والفاسدين وعودتهم المرفوضة من جديد تحت أقنعة جديدة وأسماء أخرى جديدة . صفاء الهندي