كما في أفلام الغرب حيث تجوب العربات المزارع بحثاً عن مستقر لها، هكذا هم رعاته يحملون "خلاياهم" ويسعون وراء الحقول الخصبة، وما إن ينتهوا من هذا الحقل حتى يشدو الرحال إلى حقل آخر وإن بعدت المسافات واختلفت المناطق، فمنتج مهنتهم من ألذ المنتجات ومردوده المادي جيد قياساً بمهن أخرى، ولذلك تراهم يتحملون مزاج "الملكة" ويدارون "الذكور" وحتى "الشغالات" لهن عليهم حقوق الخدمة.فالملكة والذكور والشغالات هم من يصنعون لهم الغذاء والدواء ويجعلهم يقيمون المهرجانات والأسواق الدورية ويتباهون فيما بينهم وأمام الكاميرات بجودة ما لديهم. إنهم النحالون العراقيون.تقتله الحرائق ويريحه الدخانيقول الخبير الزراعي حسين علي إن هذه التنقلات التي تتحدث عنها هي من تعطي الأنواع والنكهات، فلكل نوع من الحقول لون وطعم ومواصفات يضفيها على العسل ويعرف بها، وتتغير الفيتامينات المعروفة في تكوينه بتغير الرحيق وبذور التلقيح الذي يمتصه النحل من النباتات.وإن كانت الفترة الأخيرة قد شهدت ظاهرة سيئة جعلت الناس يحجمون عن الإقبال على الشراء، وهي ظاهرة الغش الصناعي، لاسيما وأن اكتشاف الجيد من الرديء يحتاج إلى مختبرات أو إلى ناس محترفين خصوصاً أن الأسواق العراقية بلا ضوابط رقابية تقريباً ويكاد أن يكون العراق هو البلد الوحيد الذي لا يملك مركزاً بحثياً لمعالجة مشاكل النحل وتطويره.احد أصحاب المناحل أفادنا "بأن تربية النحل كانت مدعومة من الدولة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي حينما استوردت وزارة الزراعة العراقية آنذاك خلية "الانكسترون" للمرة الأولى وجاءت بنحل من السلالات الإيطالية واليوغوسلافية وتهجينه مع النحل المحلي والعمل على تشجيع وإنشاء المناحل لدرجة وصل معها عدد الخلايا في العام 1980 إلى ما يقارب الـ"500" ألف خلية وهذا رقم قياسي".لكن النحالين العراقيين فقدوا ما يقرب من 90% من نحلهم بعد ما مر بالبلاد في 2003 من تجريف للأراضي الزراعية وجفاف وكذلك القصف والحرائق، ولعل من المفارقات أن نقول إن الحرائق تقضي عليه في حين إن الدخان يساعد على تهدئته.وينشط النحل مع ابتداء ارتفاع درجات الحرارة في الربيع وبدء موسم التزهير ويستمر في نشاطه حتى حلول فصل الشتاء. ففي البرد لا يخرج إلا قليلاً ويعتمد في تغذيته على مخزونه الغذائي أو المحاليل السكرية التي يصنعها النحال في داخل الخلية. وهذا يعني أن العمل يكون في الأغلب ضمن بساتين النخيل التي تزرع في ظلها أشجار الحمضيات.