د. عادل محمد عايش الأسطلمنذ مدة غير بعيدة، أعلنت حركة شبابية فلسطينية عن نفسها، وأطلقت اسم حركة (تمرد الفلسطينية) ضد الظلم في غزة، تأسياً بحركة تمرّد المصرية التي كانت سبباً في إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر. وبالرغم من تنصّل حركة فتح من أنها كانت وراء خلقها، إلاّ أن قيادة حماس لا زالت تعتقد بأنها تقف وراء ذلك. برغم تصريحات مسؤولي الحركة بأن لا ضلع للحركة أو بالرئاسة بذلك التشكيل وإنما هي حركة ذاتية محضة. وبالمقابل فقد لاحت بموازاتها تصعيدات كبيرة في نشاطات قوات الأمن لدى حركة حماس من حيث الضغط المستعمل على المشتبه بهم كأعضاء في الحركة. وفي إطار نشاط أمني معزز تم استدعاء نشطاء محتملين فيها في أنحاء القطاع وءاخرين من كوادر فتح للاستفسار والتحقيق.وبالرغم من أن الحكم الجديد في مصر، لم يعد مستقراً بعد، منذ خروج حركة تمرّد المصرية في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي وإلى الآن، حيث لم يمثل الخروج أو الإجراءات التي قام بها فريق أول "عبد الفتاح السيسي" العلاج الجذري في استتباب الأمور على نحو ما يرام، ولا زالت الأمور مضطربة سياسياً، وعسكرياً أيضاً، شملت مناطق مختلفة في سيناء، وامتدت أحياناً في العمق المصري، واصلت حركة تمرّد نشاطاتها باتجاه مساعيها ضد حركة حماس داخل القطاع. ربما لحيازتها ركائز مهمّة أخرى تعتمدها وتراهن عليها، وبالضرورة بعيداً عن معظم الفصائل الفلسطينية التي تمثّل شرائح فلسطينية مختلفة داخل القطاع، بسبب أن هناك قاعدة شعبية عريضة لا تؤيد مثل تلك الخطوة، لعدم ضمانها حصول الهدف المنشود، ومن ناحيةٍ أخرى للحيلولة دون تكرار أحداث عام 2007، بالنظر إلى وضوح سيطرة تامة لدى حركة حماس على جميع مفاصل القطاع سياسياً وعسكرياً.خلال الآونة الأخيرة وفي غمرة التشوشات المختلفة، التي دارت حول تخلّيها – حركة تمرّد- عن تنفيذ الفكرة، لأسباب متعلقة بتحجيم الخلافات الفلسطينية، وبشأن إبدائها خيارات أخرى لبعث نشاطاتها، إلاّ أنها أكّدت منذ مدة، عن مواصلة مساعيها للوصول إلى أهدافها التي صاغت نفسها من أجلها، وذلك في أعقاب لجوئها إلى تعديل شعاراتها المعلنة من قبل، إلى شعارات تعتقد أنها ستكون مقبولة أكثر لدى العامة في القطاع على نحوٍ خاص. فعلاوة على قيامها بممارسة نشاطاتها السياسية التمهيدية والمشابهة لنشاطات تمرد المصرية، من حيث جمع التواقيع ومحاولة إقناع مختلف الشخصيات والمسؤولين الفلسطينيين، وتحديد موعد معلوم لساعة (الاحتجاج الكبير)، قامت منذ الأيام القليلة الماضية بعد سلسلة اجتماعات مع تمرد المصرية وحركات وأحزاب مصرية مختلفة، بالتوسع في نشاطاتها تلك، حيث شملت الالتجاء إلى جامعة الدول العربية، لتضعها في مركز الصورة، سعياً منها للحصول على القبول والدعم اللازمين، وبالحث على ضرورة تغليب المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وحقه الدستوري والشرعي بالتعبير عن الرأي وممارسة حرياته الشخصية والوطنية. ثم ذهبت بمبادرة أخيرة ناحية الفصائل الفلسطينية لتتحمل مسؤولياتها أمام التاريخ، سعياً منها لحقن الدم الفلسطيني وانهاء حالة الانقسام الذي يعاني منها الشعب الفلسطيني طوال الفترة الفائتة. بنود المبادرة مع اعتيادنا على سماع بنود مشابهة أو - طبق الأصل- من أفواه حركة فتح مرةً بعد مرة، ولم تبلغ بعد آذان حركة حماس وإلى الآن، وبالمقابل لم تلقَ مطالب الأخيرة الترحاب المأمول في رام الله، بسبب أن هناك صدورٌ مطبقة، حيث تراءت البنود والمطالبات المتبادلة فيما بين الحركتين كأنها طلاسم مركّبة ومعجزات تتقدّم على المستحيلات الثلاث المعروفة.والآن تأتي حركة تمرد لتطالب حركة حماس بتطبيقها البنود التي رسمتها بلونٍ واحد، كما هي وبسرعة فائقة تضمن عدم الوصول إلى يوم 8/11، وهو السابق ليوم11/11، بثلاثة أيامٍ فقط باعتباره- لديها- يوماً وطنياً فلسطينياً لمحاربة الانقسام والتمرد على الظلم. وهي تعلم أن أربع سنوات كاملة غير منقوصة، تخللتها اللقاءات والاجتماعات والصلوات والدعوات والتدخلات المختلفة (خارجية وداخلية) وغيرها، لم تجدِ نفعاً وإلى الآن. وللتذكير فإن مطالب الحركة، تتركز في حصولها على وثيقة وقبل غروب شمس يوم 8/11، توافق فيها حركة حماس على إجراء الانتخابات العامة (تشريعية ورئاسية)، بشهادة الفصائل بما فيها حركة فتح، والشخصيات الاعتبارية على مستوياتها. وأن تسهّل حماس فوراً، عمل لجنة الانتخابات العليا للتحضير لها دون أيّة عوائق. وأن تجرى الانتخابات في مدّة لا تتجاوز ثلاثة أشهر يبدأ العد التنازلي لها اعتباراً من التاريخ السابق، بدون تمديد تحت أي ظرف، ووجوب أن تكون تحت رقابة دولية وإسلامية وعربية لضمان نزاهتها. وأخذت على نفسها تشكيل لجانها الرقابية الخاصة في جميع المحطات الانتخابية المقررة. ولا شك، فإن حركة حماس، قد تلقت النسخة الأصلية من المبادرة، وقرأتها جيداً وحللت بنودها وكلماتها حرفاً حرفاً. وبالرغم من زم الشفاه تارة وتحريك الحاجبين تارة أخرى، فإن الحال لديها، لا يبدو متوافقاً مع أي بندٍ منها، حال الفراغ من القراءة والتحليل، بسبب أن هذه البنود مترتبة على إجراءات يتوجب على حركة فتح القيام بها، بعد أن تم التوقيع عليها بعد كل اتفاق حصل بينهما. حماس تدرك جيداً، بالرغم من معاناتها الناتجة عن انحدار علاقاتها الخارجية، ومكوثها في المكان المخنوق، بعد تحطيم النوافذ الأرضية الواصلة بين مصر والقطاع، وبالرغم من شعورها بالاضطراب إلى حدٍ ما، بسبب ما من شأنه أن يحدث بعض التشويشات الداخلية، تُدرك الحدود القصوى، التي يمكن أن تصل لها حركة تمرد، والتي بإمكانها السيطرة عليها واحتوائها، حتى في حال حصول نشاطها النهائي وخلال فترة وجيزة. وربما قوي هذا الاعتقاد لديها، في ظل علاقاتها المناسبة مع بعض الفصائل وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي، التي لا تروق لديها فكرة التمرد على الأقل، ناهيكم عن التفاهمات التصالحية الجديدة التي أنشأتها حركة حماس مع الجماعة السلفية الفلسطينية التي تم عقدها مؤخراً، حيث اعتبرت مكسباً يُعتدّ به وعلى كافة المستويات الداخلية والشأن الخارجي بشكلً خاص. لذا فهي تجد نفسها مستعدة كفاية لاحتجاجات حركة تمرّد المحتملة.بالمقابل فإن حركة تمرّد أيضاً تدرك أكثر من غيرها، المساحة التي تقف عليها من حيث حيازة قاعدة شعبية متوافقة معها في الداخل، وتعلم كم هي الدرجة التي وصلت إليها بشأن دعمها من الخارج؟ وهل هي كافية لأن تواصل المسير؟ خاصةً وأنها الأن في العد التنازلي وساعة الصفر التي حددتها تقترب، كلما مرّ الوقت.هناك بعض التكهنات تناقلتها بعض صحف ومواقع الأنباء – لست ميّالاً للاعتقاد بها- ومنها صحيفة الوطن الأسبوعية، من أن حركة تمرّد، تراهن على تنظيم نفسها داخل الأراضي المصرية، بمساعدة عناصر منتمية أو متعاطفة مع حركة فتح، بهدف الدخول إلى القطاع بغطاءٍ مصري، بالتوازي مع انضمام مقاتلين من الداخل يعملان معاً، على القضاء على حكم حماس، ومن ثمّ تمكين حركة فتح من استعادتها للقطاع مرة أخرى، بعدما فقدت سيطرتها عليه جزئياً منذ يناير عام 2006، في أعقاب الانتخابات التي فازت بها حركة حماس، وبصورة نهائية في يوليو 2007، عقب الأحداث الدامية التي حصلت بين الحركتين. كما أن ما يقوي حركة التمرد، هو إدراكها بأن حركة فتح تتوق إلى العودة إلى القطاع وخاصةً بعد ظهور الرغبة المصرية في ذلك، بعدما تولي الجيش مهام الحكم، لا سيما وأن هناك إعلانات مختلفة شهدت بذلك، وأهمها التهديدات المصرية المتتابعة لحركة حماس والتي تقول بأن المصريين لن يجلسوا مكتوفي الأيدي في أعقاب اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية المصرية وإيوائها لعناصر مهمّة من حركة الإخوان المسلمين داخل القطاع. على أي حال، فإن الأمور إلى حد الآن هي غامضة، فقط هناك انتظارين وتساؤلين في ذات الوقت أمام الجميع، وهما: كيف ترد حماس على المبادرة المطروحة قبل حجبها في عصر يوم 8/11؟ وثانيهما: كيف سيكون المشهد يوم 11/11، في حال أهملت حماس تلك المبادرة؟ خانيونس/ فلسطين7/11/2013
International
حماس، تمرّد، إشكالات صراعية!
07 نوفمبر 2013