جاءت العشر الأوائل من ذي الحجة بما فيها من روحانية وسكينة ورحمة، كيف لا وقد أقسم الله -جل وعلا- بها في كتابه فقال: (وليالٍ عشر)، ولا شك أن هذه العشر المباركة هي أفضل أيام الدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام، وأفضلها يوم عرفة، اليوم الذي تتجلى فيه رحمة الله بعباده فيباهي بأهل الموقف ملائكته ويقول: «هؤلاء عبادي، أتوني شعثاً غبراً، أشهدكم أني قد غفرت لهم».ولا تقتصر رحمته -سبحانه- الخاصة على أهل الموقف، وإنما تشمل جميع المسلمين الصائمين ذلك اليوم في شتى بقاع الأرض، أخرج الإمام مسلم في صحيحة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «صيام يوم عرفة احتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده»، وبفضل الله -عز وجل- ومنته على عباده أن جماهير المسلمين والسواد الأعظم منهم حريص على صوم هذا اليوم المبارك، إلا شرذمة قليلون من شذاذ الآفاق، من بني جلدتنا ويتكلمون بلهجتنا، خرجوا على جماعة المسلمين وغلو غلواً كبيراً بتضعيف الحديث الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم جهلاً وعدواناً وإمعاناً في الضلال المبين، ثم لم يفتؤوا أن شوشوا على الناس عبادتهم ونغصوا عليهم فرحة الصوم بأنواع من السفاهات التي يرتكبونها نهاراً جهاراً يوم عرفة، من توزيع مطويات ومنشورات فيها التحذير من الصوم، والجهر بالفطر بل بإقامة الحفلات نهار يوم عرفة، إلى غير ذلك من أنواع الأفعال الاستفزازية التي ما أريد بها وجه الله.وليت لو أنهم التزموا الصمت وستروا على جهلهم بحلم لكان ذلك، ولكنهم تمادوا حتى صاروا يقولون بأن صوم يوم عرفة الذي تواتر عليه عمل المسلمين عموماً فضلاً عن أهل البحرين: بدعة!وأقول: لا بارك الله في علم يقود صاحبه إلى الانحدار إلى هذا المستوى حتى يصف سنة المختار عليه الصلاة والسلام بأنها بدعة.وقد كنت أقول: لن أرد عليهم، حتى نميت الباطل بالسكوت عنه، ولكن لما تمادوا وزادوا رأيت أنه لا بد من الرد عليهم والتشنيع على قولهم حتى يعرف حالهم المسلمون عامة وأهل البحرين خاصة؛ إذ قد ابتلينا بهم بيننا، ولهذا فإن من الواجب علينا أن نحذر من هؤلاء.ومما يحسن التنبيه عليه هنا أيضاً: أن صوم يوم عرفة سنة مؤكدة وليس بواجباً، فمن لم يصمه عامداً متعمداً فقد فرط في الأجر ولا إثم عليه، ولكن الإثم على من أنكر علينا صيامنا ذلك اليوم العظيم وجعله من باب البدع والعياذ بالله.كفى الله أهل البحرين شر الغلاة ومن لف لفهم، ودمتم بالود.أحمد يوسف صلاح الدين