عواصم - (وكالات): واصلت طائرات جيش الرئيس بشار الأسد وروسيا غاراتها على مدينة حلب لليوم السادس على التوالي، وزادت من جراح المدينة التي ودعت مئات من أبنائها، وباتت مستشفياتها غير قادرة على التعامل مع الأعداد الكبيرة من الجرحى. وتتفاقم معاناة سكان المدينة تحت وطأة الغارات الكثيفة التي تنفذها طائرات روسية وسورية منذ أيام، جراء ندرة الخبز والمواد الغذائية الرئيسية، والنقص في المستلزمات الطبية الضرورية، في وقت نددت دول غربية بما وصفته «جرائم حرب» تُرتكب في المدينة. وقال حسن ياسين، وهو أب لأربعة أطفال يقيم في حي الفردوس «تحملنا القصف على مدار السنوات الماضية، ولم ننزح من حلب إلى مكان آخر. واليوم بالإضافة إلى القصف يقوم النظام بتجويعنا»، مضيفاً بغضب «لا يوجد شيء في السوق، والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم». وأوضح الرجل الأربعيني بانفعال وهو يختبئ مع أسرته خوفاً من الغارات في محل في أسفل المبنى الذي يقطن في الطابق الثالث منه «لا خبز ولا طعام ولا مياه صالحة للشرب»، متابعاً «بتنا نأكل وجبة واحدة في اليوم، لم أشعر وأطفالي بالشبع منذ أسبوعين». ولليلة الخامسة على التوالي، استهدفت عشرات الغارات الأحياء الشرقية في مدينة حلب المحاصرة من قوات النظام السوري منذ نحو شهرين. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن القصف أسفر عن مقتل العشرات غالبيتهم من المدنيين منذ إعلان جيش الأسد الخميس الماضي بدء هجوم على الأحياء الشرقية للمدينة بهدف استعادة السيطرة .وتزداد معاناة نحو 250 ألف شخص يقيمون في الأحياء الشرقية مع شح إضافي في المواد الغذائية الرئيسية وارتفاع أسعار ما توافر منها. وتسببت الغارات بتوقف محطة ضخ مياه رئيسة عن العمل، وفق ما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف». وقبل حملة القصف الأخيرة، كان عدد كبير من السكان يعتمد جزئياً على وجبات العدس والبرغل والأرز التي تعدها جمعيات خيرية تتوزع على أحياء عدة. لكن الجمعيات أوقفت عملها جراء كثافة الغارات، خصوصاً بعد استهداف طابور من الناس أمام مخزن لشراء اللبن في حي بستان القصر، ما تسبب بمقتل 7 أشخاص، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. ولم تدخل أي مساعدات إنسانية إلى شرق حلب منذ نحو شهرين، في وقت لا تزال قافلة إنسانية تابعة للأمم المتحدة تنتظر عند الحدود التركية السورية فتح طريق لها إلى حلب الشرقية. وقالت تقارير إن سعر ربطة الخبز التي تضم 7 أرغفة ارتفع من 350 ليرة سورية «0.70 دولار» مطلع الأسبوع الماضي إلى 500 ليرة «دولار»، فيما باتت سلع آخرى كاللحوم والسكر غير موجودة إطلاقاً. وترتب الحملة الجوية الكثيفة ضغطاً إضافياً على المشافي الرئيسية والبالغ عددها 3. ونقلت تقارير عن مصدر طبي أن المشافي العاملة «تعاني ضغطاً هائلاً جراء العدد الكبير من الجرحى والنقص الحاصل في أكياس الدم». وأضاف أن «أقسام العناية المشددة بات ممتلئة بالمصابين ويجري كل مشفى 30 عملية جراحية في اليوم الواحد منذ بدء الغارات». ومع تعرض العشرات لإصابات خصوصاً في الأطراف، تزداد وطأة عدم وجود جراحين متخصصين في الشرايين والأوعية الدموية شرق المدينة. ويقول المصدر الطبي «جراء الواقع، يتم التعامل مع الإصابات الخطيرة بعمليات بتر فوراً». ونقلت منظمة «سايف ذي تشيلدرن» عن طبيب شرق حلب يدعى أبو رجب أن «الجرحى ممدون على الأرض (...) والفرق الطبية المرهقة تعمل بأقصى قدرتها على التحمل»، لافتاً إلى أن نصف المصابين في المستشفيات هم من الأطفال. وتتعرض دمشق وموسكو لانتقادات دولية قاسية في ضوء التصعيد الأخير، ندد بها الكرملين. وخلال اجتماع طارئ عقده مجلس الأمن حول سوريا بناء على طلب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، اتهمت سفيرة الولايات المتحدة سامنثا باور موسكو بأنها «تدعم نظاماً قاتلاً وتتمادى في الاستفادة» من كونها تتمتع بالفيتو في مجلس الأمن. واعتبر السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر أن «جرائم حرب» ترتكب في حلب، ويجب «ألا تبقى من دون عقاب». وندد السفير البريطاني ماتيو رايكروفت بـ»الخروق الفاضحة للقوانين الدولية» في حلب، متطرقاً إلى احتمال اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية. وكانت محاولة مجلس الأمن الأخيرة للجوء إلى المحكمة تعرقلت بسبب فيتو روسي. وسأل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «إلى متى سيسمح جميع من لهم تأثير (في النزاع السوري) باستمرار هذه الوحشية؟» ورد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على الاتهامات، قائلاً إن «النبرة العامة وخطاب مندوبي بريطانيا والولايات المتحدة غير مقبولين ويضران بعلاقاتنا»، مضيفاً أن الوضع في سوريا «معقد بشكل استثنائي» معرباً عن الأسف لأنه «لم يتم حتى الآن الفصل بين ما تسمى المعارضة المعتدلة والإرهابيين». وفي مناطق أخرى تم إدخال مساعدات للمرة الأولى منذ 6 أشهر إلى 4 مناطق محاصرة هي مضايا والزبداني اللتين تحاصرهما قوات الأسد في محافظة دمشق والفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما فصائل معارضة في محافظة إدلب شمال غرب البلاد، بحسب الاتحاد الدولي للصليب الأحمر. وفي حمص، وسط البلاد، خرج 131 مقاتلاً معارضاً مع عائلاتهم من حي الوعر آخر معقل للفصائل المقاتلة في المدينة، وفق ما أعلن مصدر في المحافظة، وذلك للمرة الثالثة منذ بدء تطبيق اتفاق بين الحكومة والمعارضة المسلحة في ديسمبر الماضي. من جهة أخرى، رفض وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ما أشار إليه نظيره السوري وليد المعلم بأن حكومته مستعدة للمشاركة في حكومة وحدة وذلك بالنظر إلى استمرار قصفها لمدينة حلب.وقال كيري «لا أعتقد أن المعارضة ستكون متحمسة تجاه التفاوض في وقت يتعرضون فيه للقصف والتجويع».