جاءت كلمة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أمس، في افتتاح دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الرابع للمجلس الوطني، لتبرهن على خطوات المملكة السباقة والجريئة ومضيها قدماً في مشروعها الإصلاحي الشامل، ومساعيها الدؤوبة لتطوير تجربتها النيابية، وتوسيع هامش المشاركة الشعبية بها، واتخاذ ما يلزم لتطوير هذا المشروع بكل مفرداته ومفاصله، والنهوض به ليصل إلى أقصى طموح ممكن.وليس من قبيل المبالغة القول، إن تشديد عاهل البلاد المفدى في مطلع كلمته السامية على أهمية الارتقاء والنهوض بالمسيرة النيابية البحرينية، والتي أشار إلى ارتكازها «على ثوابت الإصلاح والتحديث والتطوير حتى تستمر في القيام بدورها التشريعي والرقابي»، دليل على رعاية وحرص القيادة لزيادة ثِقل المؤسسة الشعبية الأولى في المملكة، وحماية أسسها الدستورية ومكانتها الراسخة في الساحة السياسية، والحفاظ على مستوى أداء نوابها والرفع منه، وتطوير دورهم باعتبارهم دون غيرهم ممثلي الأمة والمعبرين عنها.وبدت توجيهات عاهل البلاد المفدى في كلمته لأعضاء المجلسين بشأن الالتفات للكثير من القضايا الحياتية والمعيشية والخدمية، فضلاً عن التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، واضحة وضوح الشمس، ليس فقط من أجل التعريف بها وطرحها بشفافية أمام الرأي العام لمناقشتها مجتمعياً وعلى نطاق واسع، والاستمرار في متابعتها والتدقيق فيها، وإيلاء مزيد من الاهتمام بها، وإنما من أجل إيجاد السبل الكفيلة بالتعاطي معها، ووضع الحلول المناسبة لها، ومن ثم تذليل أية عقبات قد تعترض ذلك، خاصة في ظل الدور المناط بأعضاء المجلسين، والمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقيهما، والتي وصفها عاهل البلاد المفدى بأنهم «يتولون زمامها بكل أمانة ويقومون بها على الوجه الأكمل وبما يتسق مع المصلحة العليا للوطن والمواطنين»، وفي ظل ما يواجه الإقليم والعالم من تحديات وتهديدات تستدعي من نواب الوطن وممثلي الشعب الوقوف أمامها بموقف مغاير وبرؤية جديدة مختلفة تفضي إلى حلول غير تقليدية للملفات والقضايا المطروحة أمام الرأي العام وعلى الساحة.وعبر جلالته عن ذلك بجلاء، حيث أشار جلالته إلى أحد أهم التحديات التي تواجه العالم المعاصر الآن، ومنها البحرين، وهو: «الوضع الاقتصادي الاستثنائي»، وكيف استطاعت الحكومة، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، في اتخاذ ما هو ضروري للحفاظ على «مستوى ملائم من النمو الاقتصادي من خلال تنويع مصادر الدخل وتشجيع الاستثمار ودعم المشاريع الاستراتيجية، وأن تتخذ إجراءات عاجلة لترشيد الإنفاق الحكومي، وإعادة توجيه الدعم لتلبية حاجات المواطنين بشكل أفضل».إن هذه التوجيهات السامية التي بدت في كلمة عاهل البلاد المفدى «تؤذن بمرحلة جديدة» على أعضاء السلطة التشريعية التماهي معها، ومناقشتها مستقبلاً بشكل وافٍ، وهو ما دعا إليه جلالته، حيث أبرز أهمية المرحلة القادمة من مسيرة العمل الوطني، وبما يضمن حفظ موارد المملكة، ومكتسبات مواطنيها، واستدامتها في ذات الوقت، خاصة مع النجاحات التي تحققت منذ انطلاق مشروع الإصلاح الوطني، والتي مازالت تتوالى حتى الآن، ووصفها جلالته بأنها «نهضة شاملة لا تخطئها العين المنصفة»، ومكنت البحرين من اجتياز الكثير من العقبات والعراقيل، منها: «بناء دولة القانون والمؤسسات الحديثة والحامية للحريات والداعمة للعمل الديمقراطي».وهنا تبدو أهمية الارتباط بين ما تحقق من «منجزات وطنية متواصلة» و»روح البحرين المتجددة»، التي أشار إليهما عاهل البلاد المفدى في ثنايا متفرقة من كلمته، والممثلة ضمناً في التلاحم الشعبي في كل الأوقات، والمتجسدة كذلك في التضامن المجتمعي ووحدة الصف الوطني بين مكونات المجتمع وبعضها، والالتفاف فيما بينها وحول قيادتها، والتي ساهمت في صد «الأطماع الخارجية» التي مازالت تحدق بالمنطقة، تلك الروح التي كان وما زال فيها الوطن للجميع، وانتصرت فيها «الوحدة لا الفرقة، والمواطنة لا التبعية، والإصلاح لا التخريب، والتسامح لا التطرف»، مثلما عبرت عن ذلك بوضوح كلمات جلالة العاهل المفدى.وربما يكون من المهم هنا كيف أن عاهل البلاد المفدى شدَّ على كل يد تبني وتنهض وتعمر لتحقيق ما تصبو إليه المملكة من منجزات ونجاحات، والدفع بها إلى مصاف الدول الناهضة، ومن أجل اللحاق بركب الديمقراطيات الناشئة، تلك الكفاءات البحرينية التي ساهمت في «كافة مجالات البناء الوطني»، خاصة في المحافل الرياضية، ورفعت اسم البحرين عالياً، فضلاً عن «عطاء المرأة البحرينية المتواصل منذ عشرينات القرن الماضي ومشاركتها المتميزة في جميع الميادين».