واشنطن - (أ ف ب): بطبعه المندفع والمتهور وقلة خبرته السياسية، لم يكن لدونالد ترامب أي من الصفات اللازمة للترشح للوصول إلى البيت الأبيض. بطاقاته التي لا تنضب وغروره المفرط، تمكن الملياردير الجمهوري البالغ السبعين من العمر من إفشال كافة التوقعات في الانتخابات التي كانت أشبه بالزلزال السياسي. وسيكون ترامب في يناير المقبل الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة، وزعيم أول قوة عظمى اقتصادية وعسكرية في العالم. وكان وعد بهزة «أقوى بثلاث مرات من بريكست» يوم الانتخابات وحقق الناخبون أمنيته وأغرقوا أمريكا والعالم في حالة من الشكوك. وفي ضوء خطاباته العنيفة التي كانت تركز على مشاعر الإحباط وانعدام الأمن لدى الأمريكيين البيض الذين تضرروا من العولمة، أصبح ترامب الأمل في التغيير بالنسبة إلى ملايين منهم. وساهم في انقسام حزب جمهوري يواجه صعوبات في فهم ناخبيه، ويعجز عن احتواء التيار الشعبوي الذي ـطلقه ترامب. وأكثر من أي زعيم في الحزب الجمهوري نجح في تفهم مزاج وغضب قسم من الشعب الأمريكي وعلى هذه الأسس بنى فوزه. وقبل خوض الحملة في يونيو 2015 كان ترامب معروفاً خصوصاً لثروته الضخمة للأبراج والكازينوهات التي تحمل اسمه ولطلاقاته ولبرنامجه لتلفزيون الواقع «ذي إبرانتيس». لكن ترامب أظهر أنه «وحش سياسي» وبطل شعبوي وعد بـ «إعادة إلى أمريكا أمجادها السالفة» وإعادة إلى الولايات المتحدة الوظائف التي نقلت إلى الصين أو المكسيك. وكانت تصريحاته الأخيرة انتقدت بشدة «النخبة السياسية التي استنزفت طاقات بلادنا». ووعد بأن أمريكا «ستكون أولويته».يجرؤ ترامب على قول كل ما يفكر به وأن يهاجم، عالماً بأنه قادر على إلحاق الأذى. وانتقد «النظام المزور» والمسؤولين السياسيين «الفاسدين» والإعلام «الذي يسمم أذهان الأمريكيين». فهو يطرح حلولاً بسيطة لكل المشاكل المعقدة ويريد بناء جدار على الحدود مع المكسيك لمنع الهجرة غير المشروعة. وتحدث عن طرد من الولايات المتحدة 11 مليوناً من المهاجرين غير الشرعيين وإعادة التفاوض في الاتفاقات التجارية الدولية ما يناقض نهج حزبه المؤيد للتبادل الحر. ولمواجهة الإرهاب يريد ترامب منع دخول إلى الولايات المتحدة مهاجرين من دول تطرح تهديداً بعد أن أشار إلى رفض كل المسلمين. وترامب مغرور يتمتع بشخصية جذابة وروح الدعابة. حتى وإن ناقض نفسه ولم يكن مرتاحاً في جوهر الملفات خلال المناظرات التلفزيونية الثلاثة، يؤمن أنصار ترامب به.ترامب الذي أنفق أكثر من 50 مليون دولار على حملته، في نظرهم شخص غير فاسد أمام هيلاري كلينتون القريبة من أوساط وول ستريت والتي لا تلقى شعبية. وأطلق عليها ترامب لقب «هيلاري الفاسدة». وخلال الحملة أهان النساء والمسلمين والناطقين بالإسبانية وحتى الناخبين السود. وكان ترامب استفزازياً دائماً، رافضاً القول ما إذا سيعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية. ولترامب أيضاً أحلامه وحياته الفخمة وأسرته. فقد تزوج من ميلانيا عارضة الأزياء السابقة «46 عاماً» ورزقا صبياً بارون «10 سنوات». ولترامب أولاد من زيجات سابقة هم إيفانكا ودونالد الأصغر وإريك وتيفاني شاركوا في الحملة الانتخابية. ويقيم ترامب في منزل فخم من 3 طوابق أشبه بقصر فرساي مصغر في قمة برج ترامب في نيويورك ويتنقل بطائرته الخاصة البوينغ 757 التي غالباً ما يعقد فيها اجتماعاته. وبشعره الأشقر وتسريحته الغريبة وأناقته، يثير ترامب أما الإعجاب أو النفور. وعندما اتهمته 10 نساء بالتحرش جنسيا بهن أو بالتصرف غير اللائق معهن قال إنهن كاذبات. وبأعجوبة خرج من هذه الزوبعة السياسية التي أثارتها هذه الاتهامات. وترامب ليس صاحب أيديولوجية وكان ديموقراطياً حتى 1987 ثم جمهورياً «1987-1999» ثم عضواً في حزب الاصلاح «1999-2001» ثم ديموقراطياً «2001-2009» ثم جمهورياً من جديد. وترامب ولد في نيويورك وأرسل إلى مدرسة عسكرية لتهدئة طبعه الثوري، وهو رابع ولد في عائلة من 5 أولاد لسمسار عقارات نيويوركي. وبعد دراسات في مجال التجارة التحق بمؤسسة والده الذي ساعده في بداياته بـ «قرض صغير بقيمة مليون دولار». وفي 1971 تولى ترامب إدارة مؤسسة والده الذي كان يبني مساكن للطبقة المتوسطة، لكن ترامب كان يفضل الأبراج الفخمة والفنادق والكازينوهات من منهاتن إلى بومباي. وكان ترامب ايضاً حتى 2015 أحد منظمي مسابقات ملكة جمال الولايات المتحدة وملكة جمال الكون. وقام بتقديم برنامج «ذي إبرانتيس» من 2004 الى 2015. وخلال حياته المهنية رفع شكاوى أو رفعت ضده عشرات الدعاوى المدنية المرتبطة بأعماله. ورفض نشر إعلان ضرائبه - وهو تقليد للمرشحين إلى البيت الأبيض - وأقر ضمناً بأنه لم يدفع ضرائب فيدرالية لسنوات بعد أن أعلن عن خسائر ضخمة في 1995 قيمتها 916 مليون دولار. وقال «هذا يجعل مني شخصاً ذكياً». ولترامب برنامج استثنائي للأيام الـ 100 الأولى من توليه الرئاسة لبدء التغيير. وحتى أمس الأول لم يكن أحد يؤمن بفوز ترامب لأنه طوال الحملة الانتخابية لم يكن منضبطاً على الإطلاق، باستثناء المرحلة الأخيرة منها.
ترامب.. الوجه الشعبوي لأمريكا
10 نوفمبر 2016