حان الوقت للكتابة في هذا الموضوع خصوصا بعد تفشي انتشار الأجهزة الكفية المحمولة وذلك بتهافت وتنافس العروض المنهاله من قبل شركات الاتصالات لآخر صيحات الأجهزة الكفية من الموبايلات من مختلف الشركات العالمية بمختلف أنظمة التشغيل الداعمة لخدمات الاتصالات السمعية والمرئية واللمسية والإنترنت، بالإضافة إلى التسهيلات الخيالية التي تفوق الخيال من حيث تسديدات الدفعات وسرعة وكفاءة الخدمة، وأكاد أجزم أنه بات الطفل من عمر العشر سنين إلى الكهل الكبير بحوزته أحد هذه الأجهزة ليست الذكية فقط بل العبقرية، هذا إن لم يكن يملك أصلا أجهزة ذكية بالكبس وليس باللمس لرقم اتصاله القديم كاحتياط، خصوصا أن الأرقام الجديدة والمتناسقة مقدمة مع الخدمة، حتى أصبحنا كما يقال ( خرسان نحاور طرشان ).ومما شجعني على الكتابة في هذا الموضوع ، أنني ومجموعة عزيزة علي قلبي من الأصدقاء منذ سنين اعتدنا أن نجتمع في يوم محدد من أيام الأسبوع، نتناقش فيه أمورنا وأحوالنا بالإضافة لأحاديث من هنا وهناك في الثقافية والسياسية والتكنلوجية والدين حتى النكت والفوازير، بمصاحبة وجبات عشاء خفيفة ومشروبات ساخنة وباردة ويقتصر على بعضنا التدخين والنرجيلة، لذلك كنا نشتاق لهذه الجمعة الرائعة الخالية من اللغو والنميمة، لنترك أعباء الحياة والعمل خلفنا، ونكون حاضرين بموضوعات شيقة ورؤوس أقلام واخزة في شؤون كثيرة.. فكان لكل منا عشر دقائق خاصة بحصته من الجلسة للحديث بموضوعه الخاص أو التعليق على موضوع مطروح للنقاش..في الجلسة الأخيرة، كان أحد الأصدقاء من أصحاب الموبايلات "أبو كبسة.. الموبايل الذكي " يتحدث إلينا، وهو من الشباب المثقف الواعي، بالإضافة إلى أنه "صاحب نكتة"، وباقي أفراد الجلسة أصحاب الآيفون والجلاكسي والبلاك بيري أصحاب الموبايلات العبقرية تغوص أعينهم في هذه الكائنات الآلية الذكية والعبقرية .. يترقبون ويمعنون ويقرأون، لكنهم لا ينسوا أن يقدموا للمتحدث ايماءات خاطفة وسريعة كتعبير عن متابعتهم له، واستحسانهم لما يقوله، مع بعض ابتسامات صفراء مسروقة تأكيدا على المتابعة والاستحسان للحديث والصديق المتحدث، الذي يكتشف أخيراً زيف متابعتنا وزور استحساننا، فيقلب موجة الحديث بلغة برطمية غير مفهومة فرنسية على هندية على فارسية على عربية، والمضحك أن المعظم أكمل إيماءاته وابتساماته واستحسانا ته المغشوشة، وهنا توقف صارخا " يلعن.... الموبايلات اللي خلتكم ( مفهيين ) مثل الموتى، تارك بيتي وأولادي حتى اجتمع معكم " وهنا بدأت المقاطعة نتأسف بس –كنت –بانتظر—أنا معاك...حقيقة أنا رغم اتصالي الوثيق بالتكنلوجيا ومحاربتي لهذه الظاهرة في كل جلساتي ومحاضراتي، إلا أنني في هذا اليوم، في هذه الجلسة كنت من "المفهيين" أيضا، أتابع كليب من اليوتيوب عن قط ينوح كالإنسان وصلني من خلال برنامج "الواتس اب" من صديقي الذي يقابلني في نفس الجلسة على أساس أنه "خاص وسري".. على العموم، عملنا على تطييب خاطر صديقنا، وتعاهدنا أن نجتمع بوجود هذه الموبايلات العبقرية ولكن أن نكون كلنا آذان صاغية وعقول واعية، فقد أخذتنا هذه الأجهزة لأبعد من المتوقع، وأخذت منا الكثير، وحولتنا إلى كائنات افتراضية، وأفرغت واقعنا من معنى التواصل الحي، إلى واقع يكرس الرقمية، حتى تحولنا جميعا إلى كائنات افتراضية رقمية، والفيديو المرفق، يظهر كم هذه العالم أصبح مسروقا من واقعه، الحي إلى واقع افتراضي بلا روح. الموضوع ذو تشعبات وتفريعات كثيرة، لذا يحتاج لوقفة ثانية للحديث حول آثار الموبايلات العبقرية على حياتنا.هذا مقالي نشر في جريدة الدستور الأردنية, وأحببت أن أشارككم اياهعبدالرحيم الحافي
Variety
ضجيج الخرسان في عالم الطرشان
21 نوفمبر 2013