جلست للحظة أفكر في أشخاص وأستذكر لقاءاتي معهم على الرغم من أنها لقاءات لا تتعدى بضع سويعات، تخالجني تيارات متضاربة كلما وضعت تصوراً جازماً عن طبيعة الأشخاص من حولي، فربما تكون طريقة البحث هذه خاطئة وعليه تكون الاستنتاجات مبهمة وغير دقيقة، أو قد تكون ظالمة في بعض الأحيان فأبعد نفسي عن الظن بالسوء، مع أن استنتاجاتنا في الحياة عن أي أمر قد لا تكون واقعية ولا تستند على دليل، فمن الظلم أن تطلق صفة ما مثلاً على شخص فقط لأنك تجهل اهتماماته وميوله، على الرغم من وجود دلائل كثيرة أحياناً قد تعطيك تصوراً كاملاً عن الحقيقة، تلك التي قد يفسرها الإنسان بحسب البيئة والزمان الذي يعيش فيه.فبالأمس القريب كانت لنا أحاديث تتحول إلى نقاشات حادة تصل بالبعض منا إلى أن نخرج عن طورنا وطبيعتنا، مع أن المعتاد في هذه الأمور هي القناعة الشخصية أولاً والثقة بما نعرفه من معلومات، ومن ثم تبادل الآراء بالحجة وبناء التصورات والأحداث مع الاستعانة بالمصادر الموثوقة والمعتمدة، والتي تبتعد كل البعد عن المصالح أو الخلافات الشخصية، ومن ثم تقبل الرأي الصحيح والذي يتفق عليه الغالبية دون تزمت أو عنجهية لمجرد أنك لا تريد أن تظهر بمظهر المنهزم كما في المعركة، فهناك نظريات عديدة كانت تدعو إلى الضحك والاستهزاء بصاحبها ولكنها بعد فترة من الزمن أصبحت علماً تستند عليه علوم كثيرة.مواقف مرت بنا خلال هذه السنوات التي تغيرت معها المفاهيم وأسلوب الحياة، وخلقت لنا العجائب التي تصدمنا ولم تكن موجودة في ذلك الزمن الجميل، فجرني الموضوع صدفة للحديث مع أحد الأصدقاء عن بعض التجارب والمفترضات لكي نصل إلى نقطة مشتركة يمكن أن نتقاطع فيها، فبدأ بالتطرق إلى مغامراته وبطولاته والكل يستمع بتركيز وانتباه والجميع يعتقدون بأن هذا الشخص هو «سوبرمان» الخارق، بل وراح يستعرض لنا بعضاً من مقتنياته الشخصية التي كان يريد أن يستخدمها في إحدى بطولاته، وأخذ ينتظر ساعة «ساندريلا» قبل أن تفوته الدقائق التي تمر بسرعة البرق، هي فرصة لا تعوض لكنها أضاعها من بين يديه، عندما راح يلف ويدور في حلقة مفرغة.ويأتي في اليوم التالي ليسرد قصته الغريبة وماذا فعل، لتعم الصدمة الحضور وتتعالى بعدها ضحكات الاستهزاء، فمن غير المعقول أن يكون بذلك الغباء، رغم أنه ليس مخطئاً ولكنه اتخذ طريقاً غير الطريق الذي يسعى إليه أو ينشده، فالمخاوف تارة تلعب دورها وتارة أخرى يرسم مستقبله، فلم يكن مني إلا أن أنصحه بالنظر إلى الأشياء نظرة إيجابية وأن يأخذ بالطيبات، وأن يترك ذلك الطريق الآخر لأنه ليس طريقه ولا يناسبه، ليرد علي متعالياً يريد فرض رأيه وكلامه مع أن عمره وخبراته الحياتية لا تقارن بما لدى الحضور، فيسأل الموجودين عن سبب عدم خوفهم من الانجرار في هذا الطريق، ثم يجيبوه بأن التجارب مدرسة وأن طموحهم يختلف عن طموحه.لقد كان واجبي أن أقدم له النصيحة بما أستطيع مما أملك من تجارب وما أسمعه من الناس، حيث إنه إذا كنت سالكاً طريقك القويم فلا تزح عنه، بل ولا تستمع لمعتقدات الغير التي قد تنطبق على ظروف ومعطيات أخرى غير التي تعيشها، فإن انجررت وراء الظلام بعد أن أبصرت النور، فإنك سوف تتحسر على الأيام التي ربما وضعت فيها بعض النقاط السوداء على صفحات كتابك، ولتجعل دورة الحياة تأخذ مجراها الطبيعي، وأعرف أن لكل شخص الطريق الذي يختاره ويستهويه، ولكن ارجع فأنت لست ذلك الخطاء.عبدالله الشاووش