اتجاه وزارة العدل لرفع دعوى قضائية على جمعية العمل الإسلامي خطوة جدلية من الدرجة الأولى بلا شك، لأن هناك من ينظر إليها على أنها تقييد للحريات المدنية التي أقرها ميثاق العمل الوطني وكفلها الدستور. بالمقابل هناك من ينظر لمثل هذه الخطوة أنها خطوة لمحاسبة الجمعيات السياسية التي مازال النظام السياسي البحريني عاجزاً عن محاسبتها وكأنها تملك الحرية في جميع ما تفعل ومواقفها المختلفة دون المساس بما تقوم به حتى إن ضرّت الدولة، وأضرّت بالأمن والسلم الأهليين، وتخابرت مع إحدى الحكومات الأجنبية أو المنظمات الإرهابية في الخارج. بين هذين الاتجاهين النقيضين، لا بد من الاتفاق على مبدأ أساسي وهو المقر دستورياً ويتمثل في حق جميع المواطنين تأسيس منظماتهم السياسية أو مؤسسات المجتمع المدني التي يرغبون في تأسيسها حسب القوانين والأنظمة والإجراءات المعمول بها. مقابل ذلك لابد من الإقرار أيضاً بضرورة وجود آلية مقننة بأقصى الحدود لمحاسبة الجمعيات السياسية متى ما ارتكبت مخالفات، والتجارب الدولية في ذلك كثيرة، فحتى الديمقراطيات العريقة لديها آلية لمحاسبة الأحزاب السياسية إذا خالفت القوانين والأنظمة والأهم من ذلك إذا ارتكبت مخالفات تسيء للنظام السياسي أو حتى الدستور نفسه. وعليه لا يمكن ترك الجمعيات السياسية دون محاسبة على مخالفاتها المتكررة، فالبعض منها ارتكب مخالفات تتعلق بالتحريض على الإرهاب، والأخرى ارتكبت مخالفات تتعلق بمحاولة تغيير النظام السياسي باسم الحريات والديمقراطية. هناك آليات حددتها القوانين والأنظمة المحلية لمراقبة ومحاسبة الجمعيات السياسية، ومن أمثلتها قانون الجمعيات واللوائح التابعة له التي تنظم مسائل مثل التمويل السياسي، والعلاقات الخارجية مع التنظيمات الأخرى في الخارج، بالإضافة إلى فرض رقابة مالية عليها من خلال ديوان الرقابة المالية والإدارية. هذه الآليات جيدة نظرياً، ولكن ممارسات الواقع أثبتت أنها غير مجدية في التنفيذ تماماً، وإلا لما استطاعت بعض الجمعيات التجرؤ وتحدي هيبة الدولة خلال أزمة فبراير ـ مارس 2011 وطالبت برحيل بعض مكونات المجتمع، أو طالبت بتغيير النظام السياسي وأعلنت قيام دولة داخل الدولة البحرينية. كما توجد مطالبات بمحاسبة الحكومة على سياساتها وممارساتها المختلفة وكذلك مشاريعها، ومحاسبتها في علاقاتها الخارجية أيضاً، فإن من الملزم أيضاً محاسبة الجمعيات السياسية على ما تقوم به سواءً كانت مواقف معلنة أو غير معلنة، أو مشاريع، أو أنشطة. فسيادة الدستور والقوانين المختلفة تتطلب محاسبة الجميع، وإذا كانت الآليات والأنظمة المتبعة حالياً لمحاسبة الجمعيات السياسية غير مجدية، فإن المطلوب الإسراع في تطويرها بما يتلاءم مع التحديات التي تواجهها الدولة، وذلك لا يعني تماماً تضييقاً للحريات أو حرمان المواطنين من حقوقهم المدنية. وللعلم فإنه متى ما تمت محاسبة إحدى الجمعيات السياسية، وانتهى الأمر بحلها حسب القانون من خلال السلطة القضائية، فإنه يحق للتيار المكوّن لهذه الجمعية أن يؤسس جمعية أخرى طبقاً لما كفله الدستور والقوانين البحرينية.
Opinion
من يحاسب الجمعيات السياسية؟
05 يونيو 2012