رأيتهن بأم عيني في المجمعات التجارية وفي المقاهي الأمريكية، لست وحدي من رآهن، بل رآهن جميع الناس، هن أمهات هذا الجيل الغلبان.ماذا يفعلن هنالك؟ تجلس الأم مع صديقاتها العزيزات تاركة طفلها الصغير مع (الشغالة)، وكلما ضاقت به الوسيعة وحاول الإفلات بغريزته نحو أمه، صرخت الأم حينها في وجه المربية وحمَّالة الصحون والثياب والأطفال والحطب؛ ابعديه عنَّا فنحن مشغولون بالسوالف.. ونِعْم الأم!!.حين تمسك الأم جهاز الآي فون أو الجلاكسي وغيرها من الأجهزة الذكية الخالية من المشاعر والأحاسيس في وسط الصالة بمنزلها، يأتي إليها طفلها فيقوم بأخذ تلك الأجهزة من يديها فيرميها أرضاً، أو يقوم بحركات ليست لها معنى سوى لفت الانتباه، وكأنه يريد أن يقول لأمه: أنا موجود، فلماذا تتركيني وحيداً في المنزل؟ وكأنْ لسان حالهُ يقول.. ونِعْم الأم.في المقاهي والمجمعات، تستمتع الأم مع صديقاتها بشرب الكوفي ممزوجاً بسوالف الحريم، تاركة رضيعها وأطفالها الصغار في حِجْرِ الخادمة الأسيوية. ليس مهماً لديها أن يحظى الطفل باهتمامها، بل كل ما يهم هذه الأم الأنانية هو أن تدردش مع صديقاتها في المقهى، وإذا عادت إلى منزلها تركت الطفل المحتاج لرعايتها وحنانها تائهاً بين قنوات الأطفال وبين الفراغ الممل، أمَّا هي فإنها تقوم بإكمال الدردشة التي انقطعت في المقهى عبر جهازها الذكي.. ونعم الأم!!.ترى العذاب والحسرة في وجوه الأطفال سواء في المنزل أو في خارجه، فهذا الجيل أقل أطفال العالم حصولاً على العاطفة والحب والحنان والاحترام، فالمرأة الخليجية تكتفي بتفصيل عباياتها على ضوء أحدث الموديلات الغبية، وتقطع المجمعات ذهاباً وإياباً لشراء أفخم العطورات والملابس للتباهي بها بين قريناتها، ثم تعود لمنزلها للنوم أو للمحادثة الإلكترونية من جديد.. ونعم الأم.هذه ليست أم، إنها مجرد طفلة مراهقة من مراهقات المدارس الإعدادية، وإذا أردنا تصحيح هذه العبارة أو تخفيفها، فهي لا تعدو أن تكون أم أنانية لا تحب إلا نفسها فقط.طفل ينشأ في هذه البيئة المشوهة ويغترب مبتعداً قسراً مذ طفولته الأولى عن حضن أمه، أو يظل طوال فترة طفولته منسي في غرفة الشغالة.. بالله عليكم، كيف سيتكون هذا المسخ من الأطفال؟ كيف يمكن أن نصنع جيلاً واعياً بمستقبله وهو لم يكمل ربع طفولته في حضن أمٍّ لا تستحق أن يطلق عليها كلمة أمّ أصلاً؟.ربما بعض أمهاتنا رحمة الله على الماضين وحفظ الله الباقين منهن، لا يعرفن القراءة ولا الكتابة، لكنهن أكثر الأمهات وعياً في مخرجات التربية الفطرية السليمة، وأكثرهن حرصاً على أن ينال أطفالهن كامل الحب والرعاية والاهتمام.كانت الأم (أيام زمان) تهمل نفسها في سبيل رعاية صغيرها، فكانت تجوع ليشبع، وتتعب ليهنأ، وتصحو لينام، وكانت الصدر الحنون الواسع لكافة أطفالها.أمهات آخر زمن، جلَّ همهن الموضة والتسوق والثرثرة، والحصول على أعلى درجات الرفاهية، أما أطفالهن فإلى الجحيم.خذي أيتها الأم الحديثة وقتك للترفية والتسوق، فهذا من حقك الكامل، لكن من حق طفلك عليك أيضاً أن تعطيه من حنانك ورعايتك ليكون طفلاً سوياً بين أطفال العالم، لا أن يكون معقداً أو معاقاً نفسياً منذ أشهره الأولى، حين تقومين بِسَجْنِهِ في غرفة قاسية ليس بها أدنى مقومات الأمومة والإنسانية، ألا وهي غرفة الشغالة. فكما أوصىانا الرسول الكريم (ص) بكِ حين قال: (رفقاً بالقوارير) فنحن نقول لك رفقاً بصغارك يا أيتها الأم القاسية.