لست مع الذين يقولون إن الشروخ التي تسببت فيها أحداث الرابع عشر من فبراير 2011 أوصلت شعب البحرين إلى حالة من الانفصال بين المنتمين إلى المذهبين الكريمين، لن «نترقع» بعده رغم عمق تلك الشروخ ورغم كل الآلام التي تسببت فيها تلك الأحداث الدخيلة والغريبة على البحرين وأهلها، والتي يبدو واضحاً الآن أن الذين تورطوا فيها لم يكونوا ينظرون إلى أبعد من موطئ أقدامهم، وأنهم بعيدون عن السياسة بعد السماء عن الأرض، حيث توقع حدوث كل هذه الشروخ وكل هذه الآلام ينبغي ألا يكون صعباً على العاملين في السياسة. ذلك أن المسألة لا تحتاج منهم سوى إلى قراءة واعية للساحة ومعطياتها والعلاقة بين عناصرها وإلى شيء من التركيز.. إلا إن كان ما قد أحدثوه متعمداً، وأنهم كانوا يدركون ما ستؤول إليه الأمور ومتأكدون من أن ذلك سيخدمهم ويخدم من يقف وراءهم. اليوم، يعاني مجتمع البحرين من شروخ عميقة نتيجة ما حدث إلى الحد الذي صار فيه البعض لا يحتمل حتى ذكر اسم الآخر أمامه، فهؤلاء اعتبروا أولئك لا قيمة لهم ولا شأن ولا مكانة، وأولئك اعتبروا هؤلاء لا قيمة لهم ولا شأن ولا مكانة، والكل صار ضد الكل، والكل صار يعاني. لكن كل هذا لا يمكن معه القول إن الأمور نهائية وإنه لم يعد بالإمكان التدارك في الوقت بدل الضائع وإن الفأس أصابت الرأس وفات الفوت وجرى القلم. فشعب البحرين في كل الأحوال شعب أصيل وإن ناحسه الحظ، وهو كذلك وإن حصل بين أهله ما حصل، فنحن جميعاً ندرك أن قدرنا أن نعيش سوية وأنه لا يمكن لمكون أن يلغي مكوناً آخر، ولا يمكن لنا أن نعيش باقي امتدادنا الطويل بإذن الله في هذه الدنيا يرفض أحدنا الآخر ونعادي بعضنا بعضاً. فالحياة في البحرين من غيرنا جميعاً بكل مكوناتنا لا تطاق ولا يمكن لمكون أن يعيش دون الآخر، فمكونا شعب البحرين ليسا زوجين يمكن أن يحلا ما بينهما من مشاكل صعبة بالطلاق وليسا صديقين يمكن الافتراق في أي لحظة واختيار أصدقاء بدلاء. مكونا شعب البحرين كما الشقيقين التوأم.لسنا أول شعب يتعرض لمثل هذا الذي تعرضنا له ولعلنا لن نكون آخر شعب، فالتاريخ مليء بحكايات قاسية وانقسامات حدثت بين أبناء الشعب الواحد، وفي النهاية أدركت تلك الشعوب أنه ليس بإمكانها الهروب من قدرها وأن قدرها أن تتعايش مكوناتها معاً في كل الأحوال وأنه لا بد من وضع نقطة في نهاية السطر والبدء من أول السطر الجديد نحو حياة جديدة تستوجب نسيان ما حدث أو على الأقل محاولة نسيانه وتغليب روح التسامح. وهي في حالنا نحن أهل البحرين إحدى سجايانا عدا أنها قيمة إسلامية وسلوك أثنى رب العزة عليه ودعا إليه رسوله محمد عليه الصلاة والسلام.الأسبوع الماضي شارك وكيل وزارة العدل والشؤون الإسلامية الدكتور فريد المفتاح في الاحتفالية التي أقامتها الأوقاف الجعفرية تحت عنوان «حب الإمام علي يجمعنا» والتي أقيمت بمناسبة مولد الإمام علي، حيث ألقى كلمة دعا فيها إلى فتح صفحة جديدة والتنازل لبعضنا البعض لرأب الصدع فقال «نتآخى من أجل الجميع ومصلحة الأجيال المقبلة التي ستفخر من أننا بادرنا وتشجعنا لذلك»، وأعطى مثالاً بالإمام الحسن الذي تنازل عن حقه في سبيل إحياء الأمة.اليوم وبعد كل هذه الجولات التي قاسينا فيها جميعا ليس أمامنا سوى أن يقدم كل طرف تنازلات هي في النهاية لصالح الوطن وانتصاراً له. إن رأب الصدع واجب شرعي وواجب وطني وهو ليس فرض كفاية.