لعقود طويلة ظلت تيارات اليسار البحريني وتنظيماته السياسية بعيدة كل البعد عن الطائفية، ولذلك صارت مثالاً رائداً للوحدة الوطنية وتمازج مكونات المجتمع المحلي وتعايشها السلمي. واستمر هذا الحال حتى بعد المشروع الإصلاحي للعاهل في مطلع الألفية الجديدة عندما سُمح لمختلف التيارات بتأسيس جمعياتها السياسية، ولكن هل استمر هذا الحال؟.طبعاً كلا، فمفاجأة اليسار البحريني لم تكن عندما ارتضت بعض تنظيماته التحالف مع تيار ولاية الفقيه باعتباره تياراً دينياً راديكالياً، وتتحول بمرور الوقت إلى تنظيمات تابعة لهذا التيار كما هو حال جمعيتي العمل الوطني الديمقراطي (وعد) أو جمعية التجمع القومي. بل كانت المفاجأة عندما توافقت قوى اليسار في البلاد على التحالف مع تيار ولاية الفقيه في فبراير 2011 لتؤيد مطلب إسقاط النظام الملكي الدستوري ولتطالب بإقامة جمهورية إسلامية على غرار النظام الإيراني الثيوقراطي.هذه الحالة خلقت صدمة لدى جماهير اليسار البحريني، وإن كان حجم هذه الجماهير محدوداً للغاية، والصدمة أيضاً كانت موجودة لدى كوادر اليسار نفسه. فالتحول لقوى سياسية تابعة للقوى السياسية الراديكالية لم يكن متوقعاً بهذا الشكل لعدة أسباب؛ تشمل الاختلاف الأيديولوجي الكبير بين الطرفين، فالقوى الراديكالية تؤمن بالنظام السياسي المحافظ القائم على الثيوقراطية والذي تتمحور التفاعلات السياسية فيه حول المؤسسة الدينية ورجال الدين، مقابل إيمان اليسار بمبادئ أكثر ليبرالية وانفتاحاً. أيضاً من الأسباب التاريخ السياسي غير المتوافق عليه الذي يكشف النضال الذي بذله اليسار في سبيل الاستقلال والإصلاح السياسي، في حين تاريخ التيارات الراديكالية لا يتعدى عقد واحد من الزمن طالبت فيه بالإصلاحات فقط. كذلك من الأسباب طبيعة العلاقات الخارجية، فمثلاً علاقات المعارضة الراديكالية تعتمد بالدرجة الأولى على الدعم من قبل طهران، في حين أن قوى اليسار لها علاقات مع دول أخرى بحكم عوامل التاريخ.الآن اتجهت مسارات الحركة السياسية الانقلابية في النظام إلى الفشل، فظهر الانقسام أكثر وضوحاً لدى اليسار بين مؤيد للاتجاه السابق وهو التحالف والتحول لعلاقة التبعية مع تيار ولاية الفقيه، وبين اتجاه آخر يرى ضرورة مراجعة المسار السياسي لليسار نفسه. وبين هذين الاتجاهين ظهر صراع ـ يبدو حاداً للغاية ـ دفع بموجة استقالات داخل كوادر تنظيمات اليسار، وأفقدها المصداقية بين جماهيرها وأنصارها في المجتمع. وهذا ما يفسر موجة الانشقاقات التي يواجهها اليسار منذ أزمة العام الماضي حتى الآن.والسؤال الكبير الذي يطرح هنا: هل بعد هذه التحولات والمعطيات سيظل هناك يسار بحريني؟ أو سيتحول إلى قوى سياسية طائفية على غرار تنظيمات ولاية الفقيه؟سؤال قد تكون إجابته معروفة أكثر لدى اليسار البحريني.^ المعادلة..اليسار البحريني + التحالف مع تيار ولاية الفقيه = انقسام حاد داخل اليسار = هيمنة النزعة الطائفية على تنظيمات اليسار.