سنوياً عندما أرى استنفار الجرائد البحرينية والتهافت في الحديث مع الطلبة المتفوقين أو المتفوقات، سريعاً أعود بذاكرتي إلى أواخر الخمسينات وبداية الستينات، مرحلة الصف السادس ابتدائي، مرحلة عدم وجود الجرائد وعدم وجود التلفزيون البحريني، وكان كل الاعتماد على الإذاعة، ويكفي أن يكون واحد قد سمع من هنا أو هناك خبر عن إذاعة أسماء الناجحين، حتى ترى البحرين كاملة قد عرفت هذا الأمر.أيام الامتحانات التي كنا فيها نراجع المواد المقررة علينا لم تكن أياماً سعيدة ومفرحة، فنحن نبدأ المذاكرة فوق أسطح المنازل إلى أن تغرب الشمس، وبعدها نقوم بالبحث عن مكان إضاءة أكثر جودة من إضاءة بيوتنا، ولم يكن مكاناً جيداً غير الشوارع أو الحدائق العامة، وكان من أهم الأماكن التي كنا نراجع المقررات فيها كانت الحديقة القريبة من بيت القاضي والتي تقابل من الشرق بيت جيدة ومكتبة العائلة حالياً ومن من الغرب بيت الخان.لكن بعد أن غيرت وزارة الأشغال شكل الإضاءة إلى الشكل الأصفر، والذي لم تكن جيدة للقراءة. وهذا ما اضطرنا إلى الذهاب بعيداً وراء بيوت الزامل (برج الزامل حالياً) وفي مكان إشارة المرور مجلس الوزراء، فقد كان هناك دوار مضاء نقوم تحت أنواره بالمذاكرة. ربما كان يذاكر معي في تلك الفترة صديق الطفولة الراحل فاروق محمد إسماعيل ومحمد موسى وعبدالحميد عبدالرحمن مراد ويعقوب يوسف أجور وسمير عبدالله تقي. فالمذاكرة في تلك الفترة جماعية مثل كرة القدم ومثل حركتنا من مكان إلى آخر كل شيء جماعي.بالعودة إلى إذاعة أسماء الناجحين في الابتدائية، كنا نشعر أن كل البحرين في تلك الليلة التاريخية متجمعة أمام الراديو، ومن لم يكن يملك هذا الراديو تراه متسمراً في إحدى الدكاكين أو في بيت من يملكون هذا الراديو.بالطبع على الجميع السكوت والصمت والإصغاء لما يطرح من أسماء، وربما كان إبراهيم كانو هو من يقرأ الأسماء، وأية حركة يقوم بها أي شخص متواجد عند الدكان، كسحب كرسي أو سحارة بالغلط، يرى الوجوه كلها متجهة صوبه، وفي عيونها يتطاير الشرر. وإذا سقط سهواً اسم ما فإن الأهالي كلهم يستنفرون للذهاب إلى مكان الوزارة قبل الانتقال إلى مكانها الذي استقرت عليه لمدة أربعة عقود للتأكد من النتيجة.كان انتظارنا النتيجة أكثر صعوبة من انتظار الأب ولادة زوجته، لأنه يتحول إلى كتلة من الأعصاب لا تعرف أن تستقر. وكلما زادت مدة الانتظار نشعر بها كأننا في حرب، الوقت لا يريد التحرّك.وبأذهاننا نحاول أن نتخطى حروف الأبجدية لنصل إلى حرف اسمنا، ولكن الوصول إلى أن تسمع اسمك منطوقاً كان مرهقاً جداً.إن انتظار نجاحنا، رغم معرفتنا بهذا النجاح، نتيجة التعب والجهد الذي قمنا به، إلا أننا نريد أن نسمعه مباشرة وهو ينطلق من فم المذيع، ويسمع به الأهل والأصحاب في كل مناطق البحرين، وهو بالطبع الأكثر متعة والأكثر فرحاً.في الوقت الذي أشد فيه على أسماء الناجحين من الطلبة في كل المراحل الدراسية، أتمنى أن يواصلوا نجاحاتهم في كل المجالات المستقبلية، فالنجاح عادة، ومتى ما تمكنت هذه العادة من الإنسان تتحول له إلى مركبة تقوده إلى كل محطات المستقبل.ليكن نجاحك الآن هو الخطوة الأولى في نجاحاتك الدائمة.أنت الآن جيلك غير جيلنا، وأحلامك غير أحلامنا.لتكن أحلامك أكبر من أحلامنا ونجاحاتك أكثر من نجاحاتنا.
Opinion
شيء من نجاحات طلبة جيل الخمسينات
15 يونيو 2012