على مدى يومين (12 و13) يونيو الجاري؛ نظم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة مؤتمراً في المنامة تحت عنوان «أمن الخليج العربي.. الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم» بالتعاون مع المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية والأمنية. وتناول المؤتمر موضوعات تتعلق بأمن الخليج العربي، وهو الشغل الشاغل لأقطار الخليج العربي والعربية والدول الأجنبية من شرقية وغربية. يأتي انعقاد هذا المؤتمر في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة العربية والخليجية وقتاً عصيباً بفعل تداعيات أحداث الربيع العربي، حيث تعرض الأمن العربي إلى هزات عنيفة ساهم بشكل سريع في تفتيت المجتمع العربي وحول شعبه إلى عصائب متقاتلة ومتصارعة داخل الوطن الواحد، كما إنه أيضاً أدى إلى تعرض الأقطار العربية والخليجية إلى خسائر مالية واقتصادية كثيرة ومتعددة، الأمر الذي أدى إلى إطلاق تسمية «منطقة عدم استقرار» على هذه المنطقة. إن الأمن في أي مجتمع من المجتمعات لا يُعرضها فقط إلى اهتزازات سياسية وعواصف اجتماعية بل أيضاُ يُبعدها عن خريطة تدفق الاستثمار الأجنبي.تواجه مملكة البحرين اليوم أكثر من تحدٍ يؤثر على ميزان قوتها السياسية والاقتصادية، أولها تحدٍ داخلي متمثل في التطرف المذهبي الذي فتتت الوحدة الوطنية البحرينية وجعلها طوائف وعصبيات، والثاني في الاضطرابات الأمنية التي يُثيرها الأشخاص المعارضون لسياسة الحكومة، وما تمثله تلك الاضطرابات من آثار سيئة جداً على الوضع السياسي والاقتصادي والتي أدت إلى تفتيت للقوى الاجتماعية البحرينية. والثالث تأخر تطور الاستثمارات الوطنية والخسائر التي حققها الكثير منها، وضعف تدفق الاستثمارات الأجنبية وهو نتاج السبب الثاني (القلاقل والاضطرابات الأمنية)، فالاستثمارات سواء وطنية أم أجنبية ليست فقط هي محافظ مالية للاستثمار بل إنها موارد تنموية تحتاج إلى أرض خصبة اقتصادياً تنميها وأرض آمنة تحميها، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة حجم تدفق الاستثمارات لا انخفاضها كما هو حاصل الآن. والتحدي الرابع يتمثل في التحديات الخارجية التي تمس هوية مملكة البحرين العربية وسيادتها الوطنية، حيث تتوالى التصريحات الإيرانية بمناسبة وبدون مناسبة حول مملكة البحرين ورهن جغرافيتها وتاريخها وهويتها وشعبها بالتفريس، وهي تصريحات تتعارض مع الحديث الإيراني المستمر عن «الأخوة الإسلامية» و«حُسن الجوار» وغيرها من الشعارات التي تتفنن الحكومة الإيرانية في أدائها كلما تسببت في حصول أزمة سياسية بينها وبين أقطار الخليج العربي. وقد استغلت الحكومة الإيرانية أخيراً أحداث الربيع في بعض الأقطار العربية ومدت يدها أكثر في هذه الأحداث، وأن صعود تيارات وقوى إسلامية وتعثر القوى السياسية الليبرالية العربية هو أمر شجع الحكومة الإيرانية على التمدد إقليمياً سياسياً وإعلامياً.إن أمن منطقة الخليج العربي هو أمرٌ يتعلق بأقطارها وشعبها، ولا ضير من التعاون مع الآخرين والاستفادة من خبراتهم وما يملكون من تكنولوجيا، ولكن الأمر الأول والأخير هي مسؤولية خليجية، وإذا كانت الدولة البريطانية والأمريكية المشاركتان في هذا المؤتمر فنحن لسنا بضدها بل نسعى للتعاون، ولكن التعاون الذي يخدم أهدافنا الوطنية ويُعفي سيادتنا الوطنية من التبعية لهذه الدولة أو تلك، وأن هاتين الدولتين لن تحميا مملكة البحرين من أي اعتداء أجنبي ولن تقفا معها إلا بقدر ما يُحقق مصالحهما وأهدافهما في المنطقة، فالأهم لديهما هو ألا تتعرض مصالحهما في المنطقة الخليجية لأي تأثير أو خسارة. لذلك علينا أن نتحقق جيداً من حقيقة الرغبة الأمريكية والبريطانية والغربية عموماً من تحقيق الأمن في منطقة الخليج العربي، وجميعنا يجب أن يدرك أسباب هذه المشاركة، فهل المشاركة هي من أجل تحقيق الأمن والحفاظ على السيادة الوطنية العربية الخليجية؟ أم لأجل تحقيق الأمن الذي يُحقق للندن وواشنطن مصالحهما في المنطقة؟ أم هي من أجل فرض الهيمنة الأمريكية والغربية وجر المنطقة الخليجية إلى تحالفات ليس لها فيها ناقة ولا جمل؟ إن مشاكلنا الأمنية يجب أن تكون حلولها محلية ووطنية لا أن تعتمد على الحلول المستوردة أولاً، وأن ترتيب البيت البحريني والبيت الخليجي الكبير يكون بقرارات وبسواعد عربية خليجية ثانياً، وثالثاً فمملكة البحرين وشعبها حريصان على التعاون الإقليمي والدولي بشرط أن يُحقق هذا التعاون أهداف البحرين الوطنية ويَحمي سيادتها الوطنية. وهذا ما يُحقق مفهوم تعزيز التعاون المشترك وأهدافه في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويُحافظ على الأمن والسلام في المنطقة، ويحد كثيراً من التطرف الديني ويُشيع الرخاء الاقتصادي لجميع الدول في المنطقة.