لمن تكون الطاعة في الدولة؟ للحاكم أم للمؤسسات أم للقانون؟ للمرجعيات السياسية أم للمرجعيات الدينية؟ في أوج الأزمات التي يعيشها الوطن العربي والشعب العربي وفي عهد الربيع العربي، ومنها أن الأقطار العربية التي شهدت هذا الربيع مازالت تعيش في مناخ الهرج والمرج، في مصر وليبيا وتونس واليمن ولاحقاً سوريا وغيرها من العواصم العربية لم يحصد هذا الربيع أمناً ولا تنسمت منه رحيقاً طيباً؛ تغيرت شخوص حُكام تلك الدول ولكن ربيعها لم يثمر شيئاً؛ استطاع هذا الربيع أن يزيل الخوف من قلب الإنسان العربي وأن يقول لا لحكامه لكنه ثبت أمر الطاعة لديه، فبعد أن تم إبعاد شخوص الحكام قبل شعب تلك العواصم الحٌكام الجدد وجددوا لهم طاعتهم، فطاعة الحاكم السابق انتقلت إلى الحاكم اللاحق. فهل قام الشعب العربي بهذه المشاهد الثورية من أجل تغيير مؤشر الطاعة؟ فبعد أكثر من ثلاثين سنة استطاع الشعب العربي في تلك العواصم أن يُطيح بحكامه المتفردين بالسلطة والمهيمنين على كل شيء في بلدانهم، فالربيع الذي أطاح بهؤلاء الحُكام أتى بآخرين، أي أنه نقل الولاء والطاعة من المُبعدين إلى الآتين، فهل استطاع الربيع العربي أن يهدم نظرية الطاعة؟ وإذا لم يهدمها.. فهل استطاع أن يُغير مفهومها؟ أي بنقل الطاعة من طاعة الحاكم إلى طاعة الدولة وقوانينها ومؤسساتها؟ ولكن هل هناك فرق في الأقطار العربية بين طاعة الحاكم والقوانين والمؤسسات؟ أليس هو الحاكم العربي مَن يصدر هذه القوانين منفرداً؟ أليس هو المهيمن على كافة مؤسسات الدولة؟ أليس الحاكم العربي هو الدولة والقانون؟ وأن الدولة والقانون هما ذاتهما الحاكم العربي؟إن طاعة الحاكم «ولي الأمر» ليست حراماً، وطاعة القانون والالتزام به ليست ترفاً، وإذا كان البعض يرى أن طاعة الحاكم ليست واجبة فهل يعني أنهم غير مُلزمين بقوانين الدولة ومؤسساتها؟ إن طاعة الحاكم والقانون هُما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة، فهما يُمثلان الطاعة للدولة والمجتمع، ليست خضوعاً ولا خنوعاً، بل هي من واجبات المواطن وهي من مسؤولياته التي لا يجب أن يتنصل منها، فالدولة كما هي بحاجة إلى الحاكم الذي يُمثلها ويُقيدها فهي بحاجة أيضاً إلى قوانين وأنظمة تحرس الدولة وتحافظ على حقوق شعبها، فالرخاء والتنمية والأمن والاستقرار والتطور وتحسين مستوى المعيشة وغيرها من الأمور العامة تحتاج إلى قوانين وأنظمة تنظمها وتديرها، فهي إذن ليست ترفاً بل هي حاجة كما الحاجة إلى وجود الدولة ووجود الحاكم فيها. ولا تكمن هنا الطاعة لشخص الحاكم ولنص القانون بل إلى رمز الحاكم وإلى هيئة القانون، فالحكام يتغيرون وتغيرات الحياة وتطورها يحتاج كثيراً إلى تغيير بعض من نصوص القانون، فمجتمع السبعينات هو متأخر عن مجتمع التسعينات وهذا متأخر بالنسبة لمجتمع الألفين، وما كان صالحاً للأمس لا يُعد صالحاً لليوم. إذن الطاعة تكون للحاكم في رمزه وللقانون في هيئته ووجوده لا في نصوصه المتغيرة كلما دعت الحاجة إلى ذلك.فمبدأ الطاعة للحاكم وللقانون وللدولة هو الثابت والذي يجب أن يسود في المجتمع، بها تنضبط الحياة ويسود السلام، وينعقد الربط والالتزام، ومن غير الطاعة تضيع هيبة الدولة ومؤسساتها، وينتهي أمر الربط والالتزام، ويغيب منهج الطاعة وينسدل الستار على الأمن. ولا نعني هنا زرع برنامج حكومي اسمه الطاعة في دماغ المواطن ليسير على هوى الحاكم والحكومة، بل نعني غرس ثقافة الطاعة في ضمير المواطن، طاعة الأسرة والمدرسة والمجتمع، أن يكون ملتزماً في حياته كمواطن، فهذه الطاعة تكون ضماناً له أولاً لحياته في مجتمعه، وحماية لمجتمعه ثانياً، وأخيراً التزاماً عليه لوطنه. فالحياة أساسها الالتزام بالقواعد ومن قواعدها طاعة القوانين والحاكم والمجتمع، فالقوانين والحاكم يؤديان وظيفة اجتماعية واحدة، والقوانين ليست هي عوائق أو قيود بل هي ضمان للحياة وللأمن وللاستقرار، فالقوانين العادلة والحاكم العادل هما أساس الدولة العادلة، وهذه المعادلة هي التي تعمل على احترام المواطنين للقوانين والالتزام بطاعة حكامهم، وهي القرينة الشرعية التي يجب أن يعيش عليها المجتمع في كل زمان ومكان