تاريخياً وبحسب مصادر متعددة مر مفهوم البعثات الدبلوماسية وأدوار السفراء بمراحل مختلفة، إذ تعود جذور نشأة الدبلوماسية لتنظيم العلاقات بين الشعوب (كالمصريين والبابليين واليونانيين والرومان وغيرهم)، حيث مارس المبعوث دوراً سياسياً يعتبر في طليعة الأدوار السياسية الواضحة، فكانت مهمته إيجاد التفاهم حول قضايا مختلف عليها كتقسيم المياه أو تحديد مناطق الصيد لكل من الأطراف أو إقامة التحالفات أو إعلان الحرب أو إبرام الصلح وتبادل الأسرى وما إلى ذلك. عند العرب، كانت القبائل ترسل الوفود للتهاني والتعازي والتشاور والتفاوض والتحالف، وقد عرفوا وظيفة (سفارة) وعرف عن بني عدي من بطون قريش توليهم السفارة قبل الإسلام، وفي فجر الإسلام قام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بإيفاد الرسل للدعوة إلى الإسلام وتسوية المسائل المتعلقة بالهدنة والصلح وتبادل الأسرى وتحريرهم بعد انتهاء الحرب.ويعتبر المؤرخون أن المرحلة الثانية من مراحل الدبلوماسية نشأت مع إقدام جمهورية البندقية على إيفاد دبلوماسيين مقيمين إبان ازدهار تجارتها ونمو سلطانها البحري والحربي إلى المدن الإيطالية الرئيسة، حيث عمدت آنذاك إلى نشر الفتن وحبك المؤامرات بواسطة مبعوثيها الدبلوماسيين، واستمر هذا المفهوم التآمري للدبلوماسية فترة من الزمن حتى أن بريطانيا حظرت على أعضاء البرلمان (1653م) التحدث إلى أي دبلوماسي أجنبي.أما المرحلة الثالثة بعد الحرب العالمية الأولى فقد اكتسبت العلاقات الدبلوماسية فيها قواعد ثابتة وأسساً واضحة، حيث ترسخ البروتوكول الدبلوماسي كوسيلة من وسائل تمكين الدبلوماسي من شرح موقف حكومته بتعابير دقيقة ومهذبة للحفاظ على مصالحها والعلاقات الطيبة والمتوازنة مع الدول والإسهام في إيجاد الحلول اللاعنفية للمنازعات الدولية.في البحرين، وحينما ننظر للأدوار المشبوهة التي عمد على القيام بها السفير الأمريكي توماس كراجيسكي منذ وصوله فإننا نجد أن دوره يتوافق مع المرحلة الثانية من مراحل تطور الدبلوماسية الدولية، والتي كانت تقوم على نشر الفتن وحبك المؤامرات والتدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تستضيف تلك البعثات!! ولعل تصريحاته الأخيرة في لقائه الذي نشرته (الوطن) لا تخرج عن ذلك السياق ولا تدعو حقيقة للاستغراب الذي أبداه النواب في مؤتمرهم الصحافي حيث قالوا: إن السفير الأمريكي يسعى إلى سياسة الضغط والتهديد والابتزاز ومحاولته تقسيم المجتمع البحريني وإثارة النعرات الطائفية، وحذروا بشدة السفير الأمريكي وغيره من العبث بأمن واستقرار البلاد لأن ما يفعله هو استهتار بالمواثيق والأعراف الدولية!! ولما العجب؟! فسياسة التدخل والعبث بالدول من خلال البعثات الدبلوماسية والسفراء ليست سياسة أمريكية جديدة ولا هي خاصة بالبحرين فقط، فالمصريون مثلاً نددوا بتدخلات السفير الأمريكي واجتماعه مع قوى سياسية إبان الانتخابات الأخيرة، والحال نفسه تكرر في اليمن وتونس ودول أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وغيرها، هذا عدا العراق التي بات لعبة تمسك خيوطها أمريكا بيد وإيران بيد أخرى، كما إن لهذا الرجل تحديداً (كراجيسكي) تاريخاً حافلاً بالمؤامرات والمكائد في العراق وأفغانستان، ويكفي أن تضع اسمه على محرك البحث الإلكتروني لترى العجب.إذاً فالأمر ليس بجديد لا على أمريكا ولا على سفيرها في البحرين تحديداً، وهو في حواره الأخير مع الوطن كان من الصراحة التي اعتبرها بعض النواب بـ(الوقاحة) ليعلن بكل وضوح علاقاته المباشرة مع قوى المعارضة والجماعات التأزيمية وهو ما أكده بقوله فيما يتعلق بالحوار (شجعنا جميع الفئات والجمعيات على المشاركة فيه) وهو يقصد المعارضة تحديداً، فباقي مكونات المجتمع لم تكن تحتاج منه لهذا التشجيع، الأمر الذي كان يعلمه الجميع مسبقاً لكن من غير (الدبلوماسية) أن يتم التصريح به هكذا وبتحدٍ، فأمريكا ليس همها دعم المعارضة أو قوى التأزيم ولا حقوق إنسان ولا يحزنون، إنما هو الحفاظ على مصالحها في المنطقة التي قد تختلف أو تتقاطع مثلاً مع المصالح الإيرانية هنا أو هناك ولو على حساب البحرين وشعبها وحكومتها، وهو أمر كثر الحديث عنه وعن صفقات وخطط وتفاهمات أمريكية إيرانية لربما لا يوجد دليل مادي عليها ولكن لا يوجد أيضاً ما يدعو لتفنيدها، خاصة أن البلدين العدوين في الظاهر واللذين يصف كل منهما الآخر بالشيطان، قد لا يترددان في التحالف مع الشيطان لتحقيق أهدافهما!! وإلا بماذا نفسر كلام السفير الأمريكي أن (إيران لا تتدخل في شؤون البحرين ومجلس التعاون) حينما نقارنه بتصريحات سابقة وجهت فيها وزيرة الخارجية الأمريكية تحذيرات لإيران من مغبة تدخلها السافر في كل من البحرين والكويت واليمن!!نقول للسفير الأمريكي في البحرين؛ ارفع يديك عن هذا الوطن ولا تنحشر في شؤونه الداخلية، والتزم حدود الدبلوماسية وأصولها وإلا فإن شعب البحرين قادر أن يوصل لك رسالة حاسمة بأنك شخص غير مرغوب فيه، ونسأله بوضوح ماذا سيكون موقف بلاده لو دعمت روسيا مثلاً متظاهرين احتلوا وول ستريت، واجتمعت معهم سراً وأيدت مواقفهم وتبنتها ودافعت عنها؟!^ شريط إخباري..اسمع جيداً يا سيد توماس كلام جلالة الملك الأخير من مقر رئاسة الوزراء (إن شعبنا قادر على إدارة خلافاته والتحاور بشأنها دون وساطات خارجية).