فشلت فكرة التغيير التي خرجت من دوار مجلس التعاون لأنها سخرت حقوقيين ومثقفين وأطباء ومحامين وأكاديميين واستخدمت ألسنة تنطق عدة لغات بطلاقة وأنتجت وصدرت أفلاماً من أبدع ما يكون بكل الطاقات الإنتاجية والإخراجية والتكنولوجية التي لم يصل معظمها لوزارة الإعلام عندنا، لكنها رغم هذا كله ظلت ترتدي عمامة، حاضر الفكرة هو رجل دين يحكم ويفتي ومستقبلها سيكون كذلك، وهذه الصورة الذهنية رسمتها ألوف المواقف والأحداث والخبرات ومحاولة تغييرها بالأسلوب الإعلامي نفسه المستخدم مع المتلقي الأوروبي أو الأمريكي هو ضرب من المستحيل. كثير منا لا يختلف عن هذه الصورة فنحن نعتنق فكراً ونناقضه في ممارستنا ونتحدث عن أمور في مجالسنا وأروقة جمعياتنا السياسية بكل حماس لكننا لا نؤمن بما نقول بالتالي لا ندافع عما نقول ولا نطبق مبادئنا في الواقع، هذا التناقض ليس في ربطة العنق والعمامة اللتين تصارعتا في الدوار فصرعت الثانية الأولى، لكنه في كل تيار سياسي موجود عندنا حتى لو ادعى المثالية، والدليل بسيط ومن الواقع اسألوا معظم المواطنين ما رأيكم في السائد من تيارات سياسية؟ وهل الجمعيات قريبة منكم حقاً؟ كيف ترون أداء الكتل الرئيسة في البرلمان؟ اطرحوا الأسئلة واطربوا أنفسكم بالإجابات.من السهل أن أقيّم الممارسات التي تصدر ممن أختلف معه سياسياً لكن الواقع أننا يجب أن نشيع ثقافة النقد ونستهلكها حتى تبلى، يجب أن ننتقد أنفسنا قبل غيرنا ويجب أن ننتقد كل خطأ يبدر من أي من الأطراف السياسية بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف، وبرأيي فإن الغرورالذي قاد لفشل المشروع الوفاقي قد يصيب أي جماعة تنظر لنفسها أنها متنفذة وكبيرة العدد ووحدها صاحبة المبادئ ونظرتها لمستقبل الوطن هي الصحيحة وغيرها خطأ مما يجعلها أوتوماتيكياً فوق النقد وستبدأ اليوم أوغداً بالتصادم مع غيرها ومع الحكومة، يبدو لي هذا أمر محتم. لهذا نحتاج إلى تأسيس توازن سياسي حقيقي ومنظومة حقوق وواجبات واحترام متبادل بين الجميع، نحتاج لميثاق شرف سياسي فاعل، عادي جداً أن تنتقد من تختلف معه لكن من العدل أن تنظر لنفسك أولاً، من الأولى أن ينظر كل منا لعيوبه ويرصد أنماط الأخطاء التي تكررت على مدى عقود وهي أمور مهدت الطريق للعابثين باستقرار البلد لأن الحالة السياسية كانت مواتية جداً، تفاعل بين قطبين والباقي جمعيات مفتتة برامجها ضعيفة ومرجعيات سياسية غائبة وصراعات وصفقات.ثقافتنا السياسية قد تكون آخذة في التطور ظاهرياً لكن بقليل من التمعن نجد الساحة تحكمها اليوم ربما ثلاث أو أربع فرق، الغريب أنها تتفق على الكثير من الأسس لكن من الواضح أن اتفاقهم لمصلحة البلد أمر مستبعد ولو حدث فهو على مدى انقضاء مصلحة خاصة مؤقتة، تهتم كل مجموعة بالصالح العام وبالوطن وفق رؤيتها وأيدلوجيتها، وهذا بحد ذاته خطير، لأن كل جمعية تنهض صباحاً وتقف أمام مرآة سحرية وتقول "مرآتي يا مرآتي من الأفضل والأعقل والأفهم والأولى بالتقدير والمناصب ومراكز القرار”، والمرآة الكاذبة تقول لها "أنتِ يا مولاتي”.وطبعاً المرآة السحرية صادقة ولو أنا كمواطن عشوائي بسيط أبديت رأيي بشأن ممارسات هذه الجماعات المسيطرة سواء سياسة العنف الميداني أو الصفقات الثنائية السرية التي لا تخدم الوطن والطعن الفاحش في الخصوم وإثارة النزعات الطائفية والمناطقية واستخدام الفتاوى الدينية للأغراض السياسية وغيرها وغيرها، حاول أن تنتقد أي منهم وستجد أن الديمقراطية ليست حتى على بالهم .. الدكتاتورية نابعة في أحيان كثيرة من أروقة الجمعيات التي ترفض النقد وتؤله نفسها وتؤمن بعصمتها.صدقوني وأقولها لكم بأمانة نحتاج إلى مراجعة محايدة لما نشأت عليه الجمعيات السياسية من أهداف ومبادئ ومقارنته بالممارسات وسترون العجب العجاب فنحن في غياب التقييم الذاتي وتصحيح المسار والالتزام بأخلاقيات في العمل السياسي بذلك لا نفعل إلا تكرار أخطاء "ربعنا” من دوار مجلس التعاون ونزيد عليها أيضاً، ونحن أشد منهم حاجة إلى هدم فكرنا المتجمد وبناء تقاطع يذكرنا دوماً بعواقب الغرور.
Opinion
مرآتي يا مرآتي..
٠٤ يوليو ٢٠١٢