لمعرفة الأسباب الحقيقية التي جعلت إيران منذ انفصالها عن جسم الدولة الإسلامية تقف على الدوام موقف المعادي للمسلمين عامة والعرب منهم خاصة، فإنه لا يمكن فصل ما تتعرض له الأمة اليوم من تآمر إيراني غربي مشترك عن التآمرالصفوي الغربي الذي تعرضت له الدولة العثمانية في مطلع القرن العاشر الهجري، فمنذ ذلك العصر والتحالف الصليبي الصهيوني الصفوي ضد الأمة قائم على قدم وساق، وذاك رغم ما شهدته إيران من انقلابات وثورات وتغيير أنظمة وحكومات خلال القرون الخمسة الماضية. فالتنافس الإقليمي بين إيران وتركيا اليوم ليس بعيداً عن حروب الدولة الصفوية ضد الدولة العثمانية بالأمس، فكما كانت إيران الصفوية تقف مع الدول الأوروبية ضد العثمانيين آنذاك تقف إيران الخمينية اليوم مع أرمينيا واليونان المسيحيتين في صراعهما مع تركيا المسلمة، وذلك لأن تركيا تدين بالمذهب السني فقط، وهذا يعني بالنسبة لإيران أن تركيا عربية فكراً وإن كانت طورانية عرقاً. وهذا يؤكد أن تاريخ العلاقات الحضارية الإيرانية العربية كان ومازال تاريخ صراع وعلاقة دم لم تهدأ ناره المتأججة، وإذا ما تجاوزنا تاريخ الأنظمة الصفوية والزندية والإفشارية والقاجارية والبهلوية، والتي كان تاريخها حافلاً بالعداء والحروب ضد الدول العربية والخليجية منها خاصة، فإن تاريخ نظام الجمهورية الإيرانية الذي جاوز عمره حالياً الثلاثة عقود، فإنه لا يقل عداوة وخطراً عن أسلافه، فمنذ الوهلة الأولى لوصوله طهران قادماً من منفاه الفرنسي رفع الخميني شعار (تصدير الثورة)، وأعلن وزير الخارجية الإيراني آنذاك صادق قطب زاده أن العراق جزء من إيران تاريخياً كما إن البحرين محافظة إيرانية. وفي شهادة له على قناة الجزيرة في ديسمبر عام 2000م؛ قال أبوالحسن بني صدر أول رئيس لجمهورية الإيرانية: "إن الخميني كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، وهذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان. وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج الفارسي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي، كان الخميني مقتنعاً أن الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك. قلت له إن الأمريكيين يخدعونك، ورغم نصائحي ونصائح ياسر عرفات الذي جاء ليحذره من نوايا الأمريكيين فإنه لم يكن يريد الاقتناع”.ومن خلال شهادة بني صدر يتضح أن الخميني كان له نية مبيتة تجاه دول الخليج، وعدم خشيته من الأمريكان دليل على تآمرهم معه لتنفيذ هذا المخطط. ومن أجل تحقيق ذلك فقد انتهجت إيران الخميني استراتيجية سياسية خارجية في اتجاهات مختلفة ومتعددة المراحل، وقد جاء في كتاب (حلف المصالح المشتركة) للإيراني تريتا بارزي (أنها و بدلاً من السعي إلى التوصل إلى تسوية مع العرب عبر تولّي الدور الريادي في مواجهة إسرائيل، اختارت طهران، التعاون سراً مع إسرائيل في المسائل الأمنية، ورفعت حدة خطابها المعادي لإسرائيل إلى مستويات أعلى بكثير للتغطية على تعاملاتها معها. هدفت هذه السياسة، التي ربما برزت كحل وسطي بين الفصائل ذات الدرجات المتفاوتة من الحماسة الأيديولوجية داخل الحكومة إلى جعل المصالح الأيديولوجية والاستراتيجية يقويّ بعضها البعض الآخر. تضمنت لائحة الأهداف ضمان الأمن بعيد المدى بوصفها دولة غير عربية في الشرق الأوسط، وإيجاد مكانة متفوقة في المنطقة بالرغم من الانقسام العربي -الفارسي أو السنّي- الشيعي، وأخيراً، النقاوة الأيديولوجية لحماية هوية الثورة واستخدام الأيديولوجية الإسلامية لإيران كوسيلة لتسهيل بلوغ أهدافها).لقد أصدر الخميني في عام 1980م أمراً بتشكيل جيش العشرين مليون مقاتل، وجرت المصادقة على هذا الأمر من قبل البرلمان الإيراني (الميزانية السنوية المخصصة لهذا الجيش أربعمائة مليارتومان إيراني سنوياً، أي ما يعادل أربعين مليار دولار)، وتم فتح باب التطوع للالتحاق بهذا الجيش الذي لم يجعله محصوراً على الإيرانيين فقط، بل جعل الباب مفتوحاً لأبناء الطائفة في جميع البلدان. والغاية من ذلك ضمان تنفيذ المخطط الذي تحدث عنه بني صدر في شهادته وهو إقامة الحزام الشيعي وتطويق دول الخليج ومن ثم احتلالها. ومن أجل هذه الغاية أنشأت إيران في العديد من دول المنطقة ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة تنظيمات وحركات شيعية مسلحة، ومن هذه التنظيمات على سبيل المثال الجبهة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية، حزب الله الحجاز، حزب الله الكويت، حزب الله البحرين، منظمة العمل الإسلامي في البحرين، حركة أحرار البحرين.. ناهيك عن الحركات الأخرى، وما منظمة بدر في العراق وحزب الله العراق وحركة تطبيق الفقه الجعفري في باكستان وحزب الله في لبنان وحزب الوحدة الشيعي في أفغانستان، إلا جزء من هذه الحركات التي قامت بتنفيذ عمليات إرهابية وأعمال تخريبية عديدة، ومازال بعضها يقوم بأعمال مختلفة لصالح النظام الإيراني، ليس أقلها التجسس وإثارت النعرات الطائفية التي أدت في بعض بلدان المنطقة إلى الاغتيال وإراقة الدماء... يتبع