إن أردت أن تتذمر من الواقع الذي نحياه، فهناك الكثير من المجالات التي من الممكن أن تجعل من خلالها حياتك حالكة السواد، وإن كنت تريد الجمال فأنت تستطيع أن تجعله حاضراً من خلال المخيلة، هذه المخيلة التي تستطيع من خلالها أن تجعل النجوم تنزل من أماكنها وتقص بين يديك، وتستطيع أن تسافر إلى ما وراء المجرات.قبل فترة، لا أخالها طويلة، وصلتني من أحد الأصدقاء قصة غاية في الروعة، قصة تحاول أن تذكرنا أن الحياة من الممكن أن تكون أجمل ما تكون، إذا وجدنا هناك من يحاول أن يعطيها قيمتها الحقيقية التي تستحقها، ويعطي اللحظة الراهنة كل اهتماماته، مبتعداً عن السيء والقبيح بقدر الإمكان.تقول القصة "إنه في أحد المستشفيات كان هناك مريضان هرمان في غرفة واحدة، كلاهما يعاني مرضاً عضالاً، أحدهما كان مسموحاً له بالجلوس في سريره لمدة ساعة يومياً بعد العصر، ولحسن حظه، فقد كان سريره بجانب النافذة الوحيدة في الغرفة، أما الآخر فكان عليه أن يبقى مستلقياً على ظهره طوال الوقت. كان المريضان يقضيان وقتهما في الكلام دون أن يرى أحدهما الآخر، لأن كلاً منهما كان مستلقياً على ظهره ناظراً إلى السقف، تحدثا عن أهليهما وعن بيتيهما وعن حياتهما وعن كل شيء.وفي كل يوم بعد العصر كان الأول يجلس في سريره حسب أوامر الطبيب وينظر في النافذة، ويصف لصاحبه العالم الخارجي، وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها الأول، لأنها تجعل حياته مفعمة بالحيوية، وهو يستمع لوصف صاحبه للحياة في الخارج ففي الحديقة كان هناك بحيرة كبيرة يسبح فيها البط والأولاد، صنعوا زوارق من مواد مختلفة وأخذوا يلعبون فيها داخل الماء، وهناك رجل يؤجِّر المراكب الصغيرة للناس يبحرون بها في البحيرة والنساء قد أدخلت كل منهن ذراعها في ذراع زوجها، والجميع يمشي حول حافة البحيرة، وهناك آخرون جلسوا في ظلال الأشجار أو بجانب الزهور ذات الألوان الجذابة، ومنظر السماء كان بديعاً يسر الناظرين.وفيما يقوم الأول بعملية الوصف هذه، ينصت الآخر في ذهول لهذا الوصف الدقيق الرائع ثم يغمض عينيه، ويبدأ في تصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى، وفي أحد الأيام وصف له عرضاً عسكرياً، ورغم أنه لم يسمع عزف الفرقة الموسيقية، إلا أنه كان يراه بعيني عقله من خلال وصف صاحبه له.ومرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصاحبه الآخر، وفي أحد الأيام جاءت الممرضة صباحاً لخدمتهما كعادتها، فوجدت المريض الذي بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل، ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة عبر الهاتف، وهي تطلب المساعدة لإخراجه من الغرفة، فحزن على صاحبه أشد الحزن، وعندما وجد الفرصة مناسبة، طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة، ولما لم يكن هناك مانع فقد أجابت طلبه، ولما حانت ساعة بعد العصر، وتذكر الحديث الشيق الذي كان يتحفه به صاحبه، انتحب لفقده، ولكنه قرر أن يحاول الجلوس ليعوض ما فاته في هذه الساعة، وتحامل على نفسه وهو يتألم، ورفع رأسه رويداً رويداً مستعيناً بذراعيه ثم اتكأ على أحد مرفقيه، وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة، لينظر العالم الخارجي وهنا كانت المفاجأة.لم يرَ أمامه إلا جداراً أصم من جدران المستشفى فقد كانت النافذة على ساحة داخلية. نادى الممرضة وسألها إن كانت هذه هي النافذة التي كان صاحبه ينظر من خلالها، فأجابت: إنها هي، فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحدة، ثم سألته عن سبب تعجبه، فقص عليها ما كان يرى صاحبه عبر النافذة وما كان يصفه له، وكان تعجب الممرضة أكبر، إذ قالت له ولكن المتوفى كان أعمى، ولم يكن يرى حتى هذا الجدار الأصم، ولعله أراد أن يجعل حياتك سعيدة حتى لا تُصاب باليأس فتتمنى الموت”.يقول مرسل القصة: ألست تسعد إذا جعلت الآخرين سعداء؟ إذا جعلت الناس سعداء فستتضاعف سعادتك، ولكن إذا وزعت الأسى عليهم سيزدادون حزناً، إن الناس في الغالب ينسون ماذا تقول، وفي الغالب ينسون ماذا تفعل، ولكنهم لن ينسوا أبداً الشعور الذي أصابهم من قِبلك، فهل ستجعلهم يشعرون بالسعادة، أم غير ذلك؟!