من المصائب التي أصابت الأمة العربية والشعب العربي هو ذلك الجوار الإيراني، ومنذُ أن دخلت إيران في الدين الإسلامي لم يسلم العرب أرضاً وشعباً من مساوئ ذلك الجوار الذي اتسم بالحقد والعنصرية وبتفضيل العنصر الفارسي على أي عنصرٍ بشري آخر، وبالرغم من التمسك الصهيوني والإيراني بقوميتهما إلا أنهما بثا إشاعة بأن "القومية العربية قومية عنصرية” ومع الأسف فهناك الكثير من العرب مَن صدق ذلك بل إن أكثرهم تمسك بها، وكان الهدف من هذه الخطوة هو محاربة القومية العربية التي هي هوية ووجود للعرب الذين ينتمون إلى الأرض العربية ولغتها وعاداتها وتقاليدها، وقد سموا عرباً لأنهم عاشوا على الأرض العربية وتكلموا لغتها. فهل يمكن لأي إنسان أن يهجر أصله ويحارب هويته وينتقل إلى هوية وأرض أخرى؟فالدولة الإيرانية مارست الكثير من الأدوار اللاإنسانية ضد العرب، وبعيداً عن التاريخ القديم ودخولاً في التاريخ الإسلامي فقد ثأرت من هزيمتها في معركة القادسية الأولى باغتيالها للخليفة الراشدي الثاني عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي عصرنا الحديث انتقمت لهزيمتها في معركة القادسية الثانية باحتلالها للعراق مع الولايات المتحدة الأمريكية ومحاكمة قياداته السياسية والتصرف بمقدرات العراق البشرية والمادية. وإيران التي من المفترض أن تلتزم بمبادئ الجوار الجغرافي الإنساني وبمبادئ الأخوة الإسلامية فإنها قدمت نموذجاً لفرض سياسة الهيمنة من أجل اجتثاث كل ما هو عربي من خلال عملية التفريس كما حصل في إقليم "الأحواز” العربي. ومن أجل بث الفتن بين الأقطار العربية وتأسيس أحزاب ومنظمات عربية تحت ذريعة الجهاد وتحرير فلسطين من العدو الصهيوني، وإذا كان العدو الصهيوني يحتل أجزاء من الأراضي العربية فإن إيران أيضاً تحتل جزءاً من الأراضي العربية وتركيا كذلك. وما حصل للعراق حاضراً من احتلال وتفجيرات فإن إيران تقف وراء ذلك من تخطيط وتجهيز وتنفيذ أمام مرأى ومسمع دول العالم خاصة تلك التي تتشدق وترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي لبنان تعبث الأيدي الإيرانية بأمن لبنان وباستقرار شعبه، وأصبحت أصابعه من خلال عناصره متغلغلة في الجنوب وتكاد تنتشر في جميع أراضيه، وقد تسببت تلك العناصر الفاقدة لهويتها العربية في إحداث أضرار سياسية واقتصادية واجتماعية بجانب ما سعته لعودة الاقتتال بين أبناء الشعب اللبناني وذلك من أجل فرض النفوذ الإيراني وتمزيق النسيج الوطني اللبناني. وفي اليمن باءت محاولات العبث الإيراني باليمن بالفشل الذريع وخاصة بعد الهزائم المتكررة للمتمردين الحوثيين واكتشاف شبكات التجسس الإيرانية في اليمن وفي الكويت. واليوم تقف الدولة الإيرانية مع النظام السوري وتقاتل الشعب السوري وذلك ليس من أجل الشعب السوري ولا من أجل رئيسه وإنما من أجل الحفاظ على موقعها في سوريا وخوفاً على سقوط ذراعها في لبنان.أما في البحرين فالحديث لا يتسع له هذا المقال، ويكفينا أن نذكر بأن ما عانته مملكة البحرين منذ قيام النظام الإيراني في عام 1979م وحتى هذا اليوم هو من نتاج السياسة الإيرانية التي تنتهجها تجاه أقطار الخليج العربي وبالذات البحرين، وقد جسدت هذه السياسة القنوات الإيرانية (المنار والعالم) وإذاعاتها في النيل من البحرين ومن شعبها. وكما عملت الدولة الإيرانية جاهدة من أجل شق وحدة الصف الفلسطيني للمنظمات التي تختلف مع السلطة الفلسطينية في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الوحدة والقوة والتآزر بين فصائله الوطنية، بجانب سعيها البائس في المغرب ومصر والسودان وجزر القمر والمملكة العربية السعودية وموريتانيا لعرض بضاعتها الفاسدة والتي رفضها ويرفضها دائماً أبناء الشعب العربي في جميع أقطاره.لذا، فالمطلوب عربياً -رسمياً وشعبياً- الوقوف ضد هذه التدخلات المتكررة في الشؤون العربية قبل الابتلاء بنتائجها، ويجدر بنا كشعب عربي أن نعرف حقيقة الموقف الإيراني من ممارسته لهذه الممارسات، والتي منها:^ اجتثاث الانتماء الوطني والقومي من قلب وجسد الشعب العربي وإحلال الانتماء الطائفي المقيت.• القضاء على الأقطار العربية بتمزيقها إلى ولايات وبالتفريق بين أبناء الشعب العربي وقياداته.^ اغتيال النزعة الوطنية لدى الإنسان العربي في مشاركته في بناء وتطور بلاده، وتشجيع النزعات الفردية التي تضعف من البنية الاقتصادية والاجتماعية ومن الوحدة الوطنية.^ إثارة الفتن الطائفية وإذكائها بين أبناء الشعب العربي في أقطاره، وبين أبناء المذاهب الإسلامية، وبين المسلمين وأصحاب الديانات السماوية الأخرى.^ اعتماد العنف كوسيلة لحل الخلافات السياسية، وتسخير وسائل الإعلام لتحقيق هذا الهدف.^ اصطفاف أبناء الشعب العربي خلف الدولة الإيرانية تحت ظل "ولاية الفقيه” لتكون مرجعيتهم الوحيدة في حل نزاعاتهم وخلافاتهم بين بعضهم البعض وبينهم وبين حكوماتهم، فيهجرون بذلك مرجعياتهم الوطنية والقومية.إن هذه المواقف والأهداف الإيرانية تجاه قضايانا العربية هي من صفحات منهج مشروع تصدير "الثورة الإيرانية” إلى المنطقة العربية والعالم، وتحقيق الحلم الإيراني بالسيطرة والهيمنة على المنطقة العربية وبالذات الأقطار الخليجية الغنية بالنفط والغاز وذات الموقع الاستراتيجي، وهما سمتان تتميز بها المنطقة العربية الخليجية. هذه المواقف الإيرانية تتطلب منا نهضة عربية قائمة على شروط، أولها وأهمها تحقيق المصلحة العربية، وهذا الشرط يتطلب اتفاقاً عربياً جاداً نحو جميع المشاكل والأوجاع التي يعاني منها الوطن العربي