أتصوّر أننا نحن في الفترة الحالية في بأمسّ الحاجة لأن نطرح على أنفسنا السؤال الآتي: كيف يمكننا أن نكون مواطنين سعداء في بلدٍ تعمّه الرفاهية والخير، وترفرف عليه رايات السلام والمحبة والتسامح بين أبنائه، وترتسم على شفاهنا ابتسامات الحبور والتفاؤل بالمستقبل؟قد يعتقد القارئ الكريم أن من يطرح مثل هذه الأسئلة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد لا بّد أنه يعيش في كوكبٍ آخر، أو أنه لا يعايش هموم الناس، ولا يتلمّس شجونهم، ولا يعي أصلاً ماذا يدور حوله، ومع كامل احترامنا وتقديرنا لهذا الرأي، إلا أننا نتحدّث هنا عن السعادة لا بالمعنى الطوباوي أي الخيالي - الفلسفي، بل بالمعنى الواقعي – العملي المباشر، باعتبار أن عدداً غفيراً من الشعوب والأمم مرّ بتجارب قد تكون أقسى من تجربتنا، ومع ذلك خرجوا منتصرين، وتصدّروا صفوف الأمم المتقدمة، والسبب، في نظري، هو قدرتهم الفائقة على التسامي فوق الجراح والآلام، ووضع الأهداف المشتركة نصب أعينهم، وإبعاد الخلافات جانباً، ولو مؤقتاً، والتركيز على ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وعلى مناهل الوحدة أكثر من الخصومة. إن المعضلة الأساسية التي يجب أن نتصدّى لها هي مسألة الثقة، فقد صرنا بعد الأحداث المريرة التي ألمّت بالوطن في فبراير من العام الماضي غير قادرين على الثقة في بعضنا البعض، فالبعض منا صار يخشى البوح بمكنونات قلبه للآخر، ويحاول مجاراة الحديث مع الجماعة، ومسايرة آرائهم، بدلاً من محاورتهم بعفويةٍ وصدقٍ، وبسبب انعدام الثقة انطلقت موجة التصنيفات البغيضة للناس على صفحات وسائل الاتصال الاجتماعي، وباتت مفردات الشماتة عنواناً للمرحلة الحالية المؤلمة، ومن الصعب حقاً أن يصدِّق المرء أن بلداً بالكاد يتجاوز سكانه المليون نسمة لا يستطيع أفراده حل خلافاتهم السياسية بالكلمة الصادقة.لذلك يبدو لي أننا بحاجة إلى امتلاك آليّة معينّة لبناء الثقة، وربما آن الأوان لنعود إلى ماضينا القريب المليء وطنيةً وتراحماً، كي نكتشف من جديد الطيبة التي تختمر في أعماق نفوسنا، ونستعيد مشاعر الأخوّة التي جمعتنا، وحينها سنثق في بعضنا البعض، ونتكاتف من أجل رفعة هذا الوطن وعزّته!^ أستاذ التربية بجامعة البحرين