التخلف تخلف، ما هو أصفر ولا أحمر ولا بنفسجي. رمي الموانع الإسمنتية الموضوعة في أماكن معينة لأغراض تنظيمية وتكسيرها تخلف لا يقل عن التخلف المتمثل في حجز الشوارع وحرق الإطارات وتفجير إسطوانات الغاز وإرهاب الناس وتعطيل حياتهم، وبالتأكيد لا يمكن وصف ما قام به أحد الشباب أخيراً بالصعود إلى أعلى برج أحد مباني الدفاع المدني إلا بالتخلف، حيث إقدام شاب بتشجيع شباب كانوا معه (تم تشجيعهم من دون شك من قبل آخرين يقفون وراءهم) على صعود ذلك البرج الشاهق لتثبيت راية من دون أي اعتبار للمخاطر (المتوقعة) لا يمكن وصفه إلا بالتخلف. للأسف الشديد فإن ما قام به ذلك الشاب لا يمكن وصفه غير هذا الوصف، وهو بالتأكيد عمل لا يدخل في إطار "الشجاعة” التي حاول من يقف وراءه منحه نوطها عندما سعى إلى نشر شريط الفيديو الخاص بها، فليس ما قام به ذلك الشاب المتخلف شجاعة؛ لأن الشجاعة لا تكون بمثل ذلك التصرف الأحمق الذي كان يمكن أن يفقد بسببه حياته مقابل لا شيء.طبعاً نشر الفيديو الذي يصور ذلك الشاب وهو يصعد درج البرج ويثبت ما اعتبره "راية الثورة” أريد منه القول إن العملية تمت في غفلة من رجال الأمن، وهذا تخلف آخر، فليس بالضرورة أن يكون رجال الأمن غير منتبهين لما قام به ذلك الشاب ولعلهم صوروه ليثبتوا مقدار تخلفه وتخلف من حثه على تنفيذ ذلك الفعل المتخلف، ولعلهم عرفوه، ولعله نال جزاءه لاحقاً. المشكلة أن تعريض حياة ذلك الشاب للخطر من أجل لا شيء يعبر عن تخلف من حرضه وخطط له، حيث العاقل لا يقبل أن يخسر الكثير مقابل كسب القليل أو مقابل لا شيء. ماذا يعني ارتقاء درج البرج والوصول إلى أعلاه وتثبيت راية لا قيمة لها ولا وزن؟ ليس فيما قام به ذلك الشاب المغرر به أي مظهر للتحدي وهو فعل لا يستدعي الفخر به لأنه ليس من صور الشجاعة بل على العكس يعبر عن مراهقة تلك الحركة ومراهقة من يقف وراءها ويشجعها.ترى ماذا كان يمكن أن يحدث لو سقط ذلك الشاب من أعلى البرج وهو يحاول تنفيذ تلك العملية البليدة؟ الاحتمال الأكبر وفاته والاحتمال الأصغر تعرضه لجروح خطيرة قد تودي بحياته سريعاً وفي أفضل الأحوال أن يقضي بقية حياته معاقاً، ولعل ذلك يفتح الباب على من كانوا معه فينكشفون ويكشفون عن آخرين يعملون في السر وتتم محاسبتهم جميعاً، ما يعني أن المكسب المتوقع من ذلك الفعل لا يساوي ما قد يكلف، ويعني أن المخطط بليد.طبعاً لو حدث وسقط ذلك الشاب وأصيب أو مات فمن غير المستبعد أن يقول من يقف وراء قتل ذلك الشاب إن المسؤولية مسؤولية الحكومة التي غفلت عن رصده وهو يصعد وأن عليها أن تحاسب المعنيين باعتبار أنهم قصروا في عملهم، ومن غير المستبعد أن يقولوا ودون ترددٍ أو خجلٍ إن البرج لم يبن بالشكل الصحيح وبالتالي يجب محاسبة المهندس والمقاول الذي بنى البرج، ومن الممكن أيضاً أن يقولوا إن مكان البرج خطأ وعليه ينبغي محاسبة من اختار المكان! أو ربما يقولون إنه من الأساس لم يكن هناك داع لبناء البرج! وربما أقبل البعض على رفع دعوى في المحاكم ضد الحكومة والادعاء أنها لم تبن ذلك البرج إلا لإغراء ذلك الشاب تحديداً للصعود وتثبيت الراية ومن ثم السقوط والوفاة! وبالطبع اعتبار ذلك الشاب الذي قام بذلك الفعل المتخلف شهيداً!كثيرة هي الألوان ولكن التخلف ليس له لون!