باعتبار أن الكل يتحدث اليوم عن "الحوار” وأنه واقع مسلم به سيأتي لا محالة، ينبغي بالتالي التحدث عن هذا "الحوار الجديد” مع افتراض سيناريوهاته "المنطقية”، بناء على الخبرة المتراكمة بشأن الطرف الذي يردد لسانه الحالي كلمة "حوار” في كل لحظة بينما كان هو الطرف "المتعنت” إزاء كل حوار طُرح وكل حوار عقد.قبل شهور نشر أحد المسؤولين في الدولة معلومة عن وجود حوار يعد له، وفي رد فعل لهذه المعلومة تباينت المواقف وردود الفعل، فأطراف رفضت التحاور مع من يدعم الإرهاب ويواصل ممارسة التحريض، في حين الأطراف المؤزمة أخذت تعيد نفس أسطوانة "الشروط” والمطالبات بتعطيل القانون بحق أناس تنظر المحاكم التهم الموجهة لهم في قضايا تمس الأمن القومي.بعد سجال دام لأسابيع انتهى الحديث وطويت الصفحات، وكأن شيئاً لم يكن، بيد أن الحقيقة "المغيبة” كانت تتمثل بأن الأطراف المؤزمة هي التي استماتت بشأن فتح باب للتواصل من جديد مع النظام الذي تعمل ومازالت على التحشيد ضده وتدعو لـ«إسقاطه”.هناك طرفان في هذا الطيف الانقلابي، أحدهم يرى بأنه بالفعل خسر كل شيء، ضاعت مكاسبه التي حققها طوال سنوات بسبب لحظة حماس و«طيش سياسي”، وعليه فإن الحل هو بالعودة لطاولة مفاوضات لكن مع ارتداء ثوب "المفاوض القوي” أقلها ليسترجع بعضاً من مكاسبه الضائعة بإرادته، في حين طرف آخر رفض أي صورة من صور الحوار إلا إذا تمت الموافقة على شروطه التعجيزية أولها إطلاق سراح الموقوفين في قضايا خطيرة تمس أمن البلاد، وهو شرط يعني بتعريف آخر "إلغاء القانون في البلد”.الآن تعاد الكرة من جديد، الجميع يتحدث عن حوار، والغريب أن الصوت الأقوى الذي يصدر من الفئات المؤزمة الساعية للانقلاب يتحدث عن "حوار بلا شروط” بعد أن كانت "الشروط” هي أساس كل شيء فيما يتعلق بالتحاور، بل زادوا على ذلك وقالوا بأن النظام هو من يضع الشروط وليسوا هم!عموماً، الحديث الجديد عن الحوار أخذ أسابيع عديدة أيضاً في دلالة واضحة على أن هناك اختلافاً بين اللاعبين الرئيسيين في الحوار. الدولة من جانبها تريد إشراك جميع أطياف المجتمع لأنها تعلم بأنها إن لم تفعل فإن هذا الحوار لن يُعترف به بالأخص من قبل الأطراف التي كانت هي السبب في "قلب المعادلة” وكانت هي السبب في إبراز الصوت الآخر في البحرين الرافض لمخططات الاختطاف والانقلاب.الانقلابيون من جانب آخر مازالوا يريدون الاستفراد بالدولة، مازال حلمهم يرتكز على اقتطاع أكبر جزء من الكعكة بمعزل عن الأطراف الأخرى التي ستشكل لهم مؤرقاً دائماً، خاصة وأنهم خاضوا تجربة مريرة في الحوار الوطني الصيف الماضي حينما بان حجمهم الحقيقي في مقابل كافة مكونات المجتمع، وأنهم لا يمثلون سوى طيف واحد من أطياف عدة، في وقت تفرض فيه الديمقراطية احترام رأي الأغلبية، لكنهم ولأنهم ليسوا ديمقراطيين بل مدعين للديمقراطية آثروا الانسحاب وتأزيم الموقف من جديد.الطرف الانقلابي يريد حواراً منفرداً، يريد عزل بقية الأطياف، يريد تفصيل الدولة كما يحب ويشتهي، وهذه مسألة يعولون على "عناصر ساعية لإقامة الحوار” حتى تستوفيها.طبعاً إن سلمت الأطراف المخلصة بهذه الأمور وقبلت بأن يبدأ الحوار الجديد وفق ما يريده الانقلابيون ويفرضونه من شروط وطلبات، فإن هذه الأطراف هي التي ستلام وهي التي ستتهم بأنها قابلة بأن يفصل الوطن حسب ما يريده من حارب الوطن وحرقه وأرهب أهله.فقط ننبه الدولة لمسألة مهمة جداً، ماذا لو دخل الانقلابيون بأي صيغة كانت لهذا الحوار الجديد وانتهوا إلى نتيجة مشابهة لما فعلوه في الحوار الوطني السابق؟! ماذا لو قرروا الانسحاب مجدداً حين يحسون بأنهم لن "يفرضوا” كل ما يريدون في مقابل أصوات الأطراف الأخرى؟! هل ستقبلون بهذا الموقف وتمنحونهم المزيد من "سعة الصدر” و«مساحة الحرية الواسعة” ليمارسوا الإرهاب والتحريض من جديد، ثم بعدها بفترة زمنية يعود الحديث لينطلق عن حوار جديد؟!السؤال هنا للدولة وللأمريكان الذين بات حتى الأطفال في البحرين يعرفون أنهم من يتحكمون في قرارات الوفاق وأذيالها، السؤال: ما هي الضمانات للأطراف الأخرى إن تم القبول ببدء حوار جديد يدخل فيه الانقلابيون كطرف، ما هي الضمانات لعدم ضياع أصوات هذه الأطراف ومواقفهم ومطالباتهم إن قام المؤزمون بالانسحاب وافتعال سيناريو جديد؟!الخلاصة فيما نقول بأن مقرري مصير إقامة الحوار من عدمه، ومن بيدهم تسهيل دخول المعارضة الانقلابية له، هؤلاء عليهم ضمان الخلوص لنتيجة حاسمة ونهائية لهذا الحوار، عليهم إلزام الوفاق وأذيالها بقبول ما يصدر عنه بتوافق الجميع، عليهم بيان أن هذه هي "الفرصة الأخيرة” لمن يريد أن يقنعنا أنه "سلمي” ويريد عودة الأمور في البحرين لطبيعتها مع تحقيق مكاسب تقدمية من هذا الحوار.إن لم تضمنوا هذه الالتزامات من جميع الأطراف بالأخص الطرف المؤزم، فإنكم ستحولون "الحوار” إلى ساحة "لعب” لهؤلاء يلهون فيها حسب الوقت الذي يريدون، ويغادرونها حسب الوقت الذي يعجبهم.مع هؤلاء "حبل” الحوار قصير جداً، والتاريخ يشهد.