من أكثر الأمور المزعجة أن يشعر المواطن أنه ورقة في مهب الريح، أو أنه يعيش يومه ولا يعلم ماذا سيحدث غداً، على الأقل مستقبله السياسي، فالمستقبل بيد الله سبحانه، لكن الله أعطانا عقلاً نفكر به، ونخطط حتى لا نقع في ذات الأخطاء وذات الكوارث وذات المصائب.شعوري كمواطن (قد أكون على حق وقد أكون مخطئاً) أن الدولة ليست لديها استراتيجية مستقبلية تضمن لنا كشعب ودولة ألا نقع فيما وقعنا فيه سابقاً.ما حصل لنا كان بأيدينا وكان من صنيعتنا، أخذتنا الطيبة وربما السذاجة من باب أن الأمور تمام ولا يمكن أن يحدث في البحرين انقلاب، بينما المؤشرات منذ الثمانينيات مروراً بالتسعينيات وحتى بداية الألفية تجعلنا نقول إن هناك مؤامرة كبيرة لاختطاف الدولة، ومشروعاً كبيراً يخطط للاستيلاء على مفاصل الدولة وصولاً إلى ساعة الصفر، وهذا يظهر فيما يفعله البعض من (بكائيات ونَوْح) من أجل الوصول إلى وزارات بعينها هي مفصل الانقلاب القادم، ولا أعلم إلى أين نسير وما هو القادم، فالأمور لا يمكننا أن نعرفها كون هذه الحسابات ليست للرأي العام.مؤلم لنا كمواطنين أن نكون نحن البسطاء الذين نملك معلومات عادية ندرك أن هناك أمراً يدبر بليل، غير أن الدولة لم تكن تدرك، وأنا من الناس الذين يقولون أن ما يسمى بالربيع العربي كان في صالح البحرين وأهلها، حين أخرج ما لدى الانقلابيين من نوايا كانت واضحة جلية، فكلنا سمعنا هتافات التسقيط وهتافات (ارحلوا).. وهتافات طائفية تقول لأهل السنة ارحلوا للسعودية وعودوا للزبارة، كل ذلك موثق بالصوت والصورة وليس افتراء على أحد.الربيع العربي خدم البحرين من حيث لا تعلم الدولة؛ فما كان يخطط له أن يحدث في 2016 حدث في 2011، وفشل فشلاً ذريعاً وانكشفت الوجوه البائسة.لكن الموضوع ليس في إفشال المخطط، فإرادة الله كانت مع الحق ولم ينجحوا، لكن ماذا بعد إفشال المخطط؟هل نبقى ورقة في مهب الريح يخطط لزوال الدولة من يخطط، والجميع يتفرج؟إذا كان ما حدث من صنيعة أيادينا كدولة ومجتمع، فإن علينا مسؤولية الأجيال القادمة أن نخرج من قمقم الاستغفال إلى فضاء التخطيط الاستراتيجي لمستقبل البحرين وشعبها، بما يضمن أمن الناس جميعاً وحياة سعيدة للجميع.نشوة هزيمة الانقلاب انتهت، وأننا انتصرنا في جنيف هذه لا تصنع مستقبلاً، المستقبل يريد عقولاً ومفكرين وأصحاب رأي، ومن هم ضمائرهم وطنية خالصة، حتى يضعوا خارطة طريق للقادم وللأجيال، البحرين أمانة في أعناق أصحاب القرار والمستقبل يصنعه من يحب البحرين وأهلها جميعاً، هذا ما نفكر به ويشغلنا.هناك وزارات (مثلاً) لا يأتي على ذكرها من يريد استهداف مستقبل البحرين، لأنهم انتهوا من الاستيلاء عليها ومخرجاتها تخدم ما يريدون، وهنا مأزق كبير لمستقبل البلاد، فإن أراد أحد أن يصحح الإعوجاج فعليه بهذه الوزارات التي صارت وكراً ومكاناً لإدارة الانقلاب.لن يغفر التاريخ للمغفلين الذين يسيرون دون فكر وطني، هؤلاء في طريق الضياع، هم يسيرون فيه ولن يشعروا بأنهم في طريق الضياع إلا حين يصلون نهاية الطريق.البحرين تحتاج إلى عقول ومفكرين يخططون للمستقبل، فمن لا يتعلم من الكوارث إنسان أعمى البصيرة، ومن يسير في ذات طريق الهلاك مرة أخرى لن ينجو من الهلاك أبداً ما دام يذهب إليه بقدميه.استراتيجية المستقبل هي ما تشغلنا، التفكير في اليوم وغداً هو تفكير محدود لا يتعدى أرنبة الأنف، وليس تفكير إنسان متحضر متعلم يملك أن يقرأ المستقبل بالمعطيات والأرقام، فكل شيء اليوم يخطط له (رقمياً) والنتائج تخرج بالأرقام والنسب.جميلة طِيبة أهل البحرين، لكنها تصبح قاتلة إذا كانت طيبة من غير تدبير، الطِيبة ميزة لشعب البحرين، لكن المستقبل لا يحتاج طيبة إنما يحتاج عقولاً، ويحتاج تخطيطاً مدروساً وأفكاراً جديدة وإلا فإن الأمور لن تكون طيبة مستقبلاً. من يُخطط لك خطط له أعمق وأكبر، ومن يضع يده في يدك ويحب وطنه ضعه على رأسك كان من هنا أو هناك، أما من يخطط لي وأنا أتفرج عليه وأنا أضحك فهذا يضيع دولاً بأكملها. الدولة تحتاج إلى استراتيجية قصيرة وطويلة المدى، لن تتوقف الأخطار حتى وإن هدأت الأمور، سيعودون غداً، لكن هل الدولة تسمح بذلك، هل الدولة استوعبت الدرس القاسي..؟