اعتراف المجتمعات والأنظمة والعالم والإعلام بأهمية دور (المعارضة) في التوازن السياسي في أي بلد، وإقرار الأنظمة السياسية (بإرادتها أم رغماً عنها) بأحقية وجود مواقف سياسية معارضة لها، وإسباغ الحماية الدولية على كل حامل بطاقة (معارضة) حتى لو كان يمثل نفسه في العالم العربي؛ فتح شهية العديد من الأفراد، ما دام المجال أصبح مفتوحاً الآن لإمكانية الفوز بدور البطولة للأفراد لا للأحزاب فقط.فإذا أضفنا للمشهد المعاصر أن الولايات المتحدة الأمريكية تفتق ذهنها عن فكرة اعتقدت بإمكانية تسويقها في البلاد العربية وهي فكرة صناعة دمى المعارضة وطرحها في الأسواق العربية.هذه الفكرة من أغبى ما سمعت وما قرأت؛ لأنها تجهل تماماً الذهنية العربية ولا تعرف الشخصية العربية التي هي من أصعب الشخصيات في قبول فكرة التزعم عليها، فما بالك إذا كانت هذه الدمى مجموعة نكرات تم تجميع أجزائها في الخارج من قطع غيار غير أصلية والعديد منها مرفوض اجتماعياً وليس له خلفية أو تاريخ (نضالي) ومن ثم ظهورها فجأة ودون مقدمات في سوق (المعارضة)؟!!اليوم (المعارضة) سوق مفتوحة على مصراعيها، أصبح لدينا الآن مسابقة لبروز أي فرد (حابب) أن يلقّب (بالمعارض) ففتح باب التنافس للأفراد اليوم، ولدينا الآن برنامج (آرب إيدل) يتنافس فيه الراغبون بلقب (معارض) عربي، فالإعلام جاهز ويأتيك لمنزلك فلا تتعب نفسك حتى بالبحث عن اهتمام إعلامي أو تتعب نفسك بالبحث عن مموّل، كله موجود، وما عليك سوى أن تتقدم للمسابقة والعرض مفتوح للجميع ودون اشتراطات مسبقة.سيجلس على منصة الحكم السفير الأمريكي واشتون وجو ستورك، وسيختارون لنا الفائزين، والوفاق ستشكل لجنة تفرز المتسابقين قبل دخولهم على اللجنة.أتذكرون عبارة (مين زكي جمعة؟) التي قالها عادل إمام في مسرحية «مدرسة المشاغبين»، نحن اليوم نعيش حالة الذهول والاستغراب ذاتها التي أبرزها عادل إمام بتعابير وجهه حين عدد أسماء الزعامات المصرية التاريخية السياسية، ثم فجأة ذكر من بينهم اسماً لا يدري من هو، كذلك نحن نسأل كل يوم (مين .....؟) هذا الذي يتصدراسمه بيانات المنظمات ووزارة الخارجية الأمريكية، من هو هذا الذي يذكر اسمه في وسائل إعلامية وتجري المقابلات معه ؟ فلا أحد يعرفه، ولم نسمع به من قبل، (مين زكي جمعة)؟.للمعارضة الآن سوق مفتوحة دخل فيها كل من به غضب على حماته وزوجته ورئيسه في العمل، فأصبح العديد منهم زعماء داخل الأحزاب السياسية (المعارضة)، وأصبح بعضهم رواد برامج ومراسلين دائمين ومحللين، وحين يتعرضون للمساءلة بالتأكيد سيهبّ (زعماء الأحزاب) لنجدة زملائهم!! المضحك أن المجتمعات التي يفترض أن هؤلاء هم زعماؤها السياسيون لا تعرف الفازع منهم ولا تعرف المفزوع، والله إننا في مسرحية كوميدية. نحن لا نترفع أو نستهين بالناس معاذ الله، إنما نستهزئ بمن يريد التسلق على اكتفانا رغماً عن أنوفنا وينصب نفسه (معارضاً).يا جماعة.. أصبحنا نبحث عن معارضة محترمة لها (دماغ)، على رأي إخواننا المصريين، ليس بالضرورة ان يكون لديها تاريخ نضالي، إنما على الأقل يكون لها ثقل فكري.ألا تدرون أننا في البحرين من أصعب الشعوب التي تسمح «بالتصدر» أو «بالزعامة» الشعبية؟ وأن الإعلام عجز عن إبراز نجوم، وأن ملايين البعض لم تصنع منهم نجوماً، ولا حتى الانتماءات تصنع نجوماً بحرينية، ولو كان راغب النجومية ينتمي لأعرق الأسر وأشرفها نحن شعب نهزأ بأكبرها وأسمنها إن رغبنا عنه وإن لم يعجبنا، نحن شعب يقتل النجومية حتى عند من يستحقها، فما بالك وعند من نحسبه نكرة ولا نعرفه ولا نعرف له سبقاً في المجال السياسي، فما بالك ومن بدأ يصعد على المسرح وهو من أفشل الناس في مجال عمله أو من كان له سوابق، والبحرين صغيرة يعرف أهلها بعضهم بعضاً.لا يعتقد هؤلاء أن سبّ الحكومة يصنع معارضاً، لقد أصبح سب أكبر رأس في البلد متاحاً من أصغر طفل، ولا يعتقد هؤلاء أن التقرب من الأحزاب السياسية يصنع بطولة، ولا يعتقد هؤلاء أن الجهر بالاختلاف والمخالفة تصنع بطولة، ولا يعتقد هؤلاء أن مجرد تصدر اسمه في صحف معينة أو في نشرات معينة أصبح بطلاً، أمريكا (بجلالة قدرها) حاولت إبراز اسماء في بياناتها لتصنع منها أبطالاً وفشلت.للأمانة نحن نحتاج زعامات سياسية وقيادات سياسية، ونحتاج أصواتأً معارضة جريئة ومرتفعة، إنما نبحث عن معارض محترم على الأقل يملأ الكرسي الذي سيجلس عليه!!لذلك ارحمونا من هذه الدمى التي تتقافز كل يوم كالضفادع والعفاطي في جدول الماء كل يريد أن يلعب دور (المعارضة) علينا!