كنت قد لاحظت مع آخرين الصحافي المخضرم، عضو الشورى إبراهيم بشمي، يحرص على القيام بواجب العزاء للجميع، حتى أولئك الذين يحدث أن تنقطع بينه وبينهم العلاقة لسبب أو لآخر، بل إنه لوحظ تواجده في مجلس عزاء والد أحد أصدقائه كان قد اختلف معه بشدة وافترقا أكثر من تواجد صاحب العزاء! البعض يحسب أن بشمي ينسى أنه على غير ود مع هذا أو ذاك، وبعض آخر يفسر الأمر على أنه يدخل ضمن العادة، لكني أنا الذي أدعي أني أعرف الأخ والصديق إبراهيم بشمي جيداً أقول إنه بفعله هذا يريد أن يوصل رسالتين، الأولى هي أن أداء هذا الواجب واحد من أساسات أخلاق أهل البحرين التي ينبغي ألا تتأثر سلباً مهما كانت الأسباب، ذلك أن أهل البحرين المتسامحين دائماً لا يتأخرون عن أن يكونوا سبباً في التخفيف عن الآخرين وإن اختلفوا معهم أو حملوا في نفوسهم عليهم، عدا أن هذا السلوك يمكن أن يخفف من شدة ما بين الشخصين فيكون سبباً في عودة الود بينهما، والثانية هي أن هذا الخيط هو أحد الخيوط المهمة التي ينبغي ألا تنقطع بين أي طرفين سواء كانا شخصين أو فئتين أو طائفتين. ربما كان من المقبول اجتماعياً التأخر عن التواصل مع الآخر في أفراحه ولكنه أبداً ليس مقبولاً في عرف مجتمعنا البحريني الأصيل التأخر عن تقديم واجب العزاء.مناسبة الحديث أنني أخيراً التقيت بمجموعتين كليهما على انفراد، إحداهما شيعية والأخرى سنية -وهذا تصنيف مؤلم- فلمست مقدار الألم في نفس كل مجموعة ومدى تأثر العلاقة بينهما، ولعلها من قبيل الصدفة أن كان بين كل مجموعة من المجموعتين من كان يدعو إلى التوقف عن مجاملة "الآخر” في أحزانه وأفراحه، وكان في إحدى المجموعتين من لم يتردد في توجيه اللوم لآخرين كانوا حاضرين لأنهم قاموا بتقديم واجب العزاء لمن هو محسوب على الطرف الآخر. الدعوة إلى التوقف عن ممارسة هذا السلوك الاجتماعي الإسلامي الأصيل كثير الفوائد يسهم في تعميق الشرخ الذي صار وإن لعب دور المبرّد. نعم اليوم في نفس كل واحد منا "حرّة” على الآخر، لكن هذا لا يعني الدخول في هذا السلوك الغريب علينا. واليوم أيضا يتخوف البعض من الذهاب إلى أماكن تعزية معينة خشية التعرض للسوء سواء في الطريق أو في مجلس العزاء نفسه حيث قد لا يتردد البعض عن توجيه كلمة غير لائقة إليه أو أن يرمقه بنظرة دونية فيختار التخلف عن القيام بتقديم واجب العزاء خلاف رغبته درءا للفتنة، لكن هذا ينبغي أن يكون الاستثناء وليس القاعدة.ليس بشمي وحده الذي يعطينا مثالاً ودرساً في هذا الخصوص، فهناك آخرون أيضاً يحرصون على أداء هذا الواجب ولا يخلطونه بالسياسة، من أولئك على سبيل المثال الشيخ عبدالحسين بن خلف آل عصفور الذي يشهد الجميع أنه لا يتخلف عن حضور أي مجلس عزاء للأخذ بخاطر أهل الفقيد مهما كانت الأسباب.بشمي والشيخ العصفور مثالان ينبغي الانحياز إليهما خاصة في هذه الفترة من تاريخ وطننا العزيز الذي نحتاج فيه إلى كل ما من شأنه أن يقوي العلاقة فيما بيننا. إن الدخول في مواقف سلبية كهذه هو انتصار لتلك الفئة التي لا تريد لأهل البحرين خيراً، وهدفها تمزيق المجتمع، وإذا كان "مبلوعاً” تخلف أفراد من عامة الشعب عن أداء هذا الواجب لأسباب عاطفية. فليس مقبولاً أبداً تخلف من يعتبر رمزاً على هذه الفئة أو تلك عن سلوك اجتماعي إسلامي إنساني حضاري كهذا هو من صلب أخلاق أهل البحرين.