يبدو أن الإنسان المعاصر يدفع ثمناً باهظاً لاختلاف تصوراته الذهنية أو رأيه الشخصي عن رأي الناس الذين يتعامل معهم بصورة يومية في موقع العمل أو الشارع، ناهيك طبعاً عن أقاربه الذين يجتمع بهم بين الفينة والأخرى في اللقاءات الأسرية التي تتم داخل المنزل وخارجه. ويرى علماء النفس الروس أن هذه المسألة لا ترتبط بوجهة النظر حول موضوعٍ خلافيٍ فحسب، بل تمتّد إلى الاختلاف القائم بين الإنسان والآخرين، سواءً في المركز الاجتماعي أو المظهر أو أسلوب التفكير أو نمط الحياة وغير ذلك، فقد اعتاد بعض الناس تصنيف الأشخاص الذين يحِّبون ما لا يحبّون هم، أو يخالفونهم الرأي تماماً، ويصعب التوصّل معه إلى حلٍ مقبول، في خانة الأعداء، والسبب في ذلك هو عدم رغبة المرء في فهم الآخر، وتقبّل تصوّراته وأفكاره. فعلى سبيل المثال، عندما يطرح الشخص على أصدقائه السؤال التالي: «تُرى، ما الذي يدفع المرء للاختلاس من الشركة التي يعمل فيها؟»، ويحثّهم على تحليل تلك الدوافع بهدف استيعابها، ومنع تكرار تلك الجريمة التي تتفشّى في فترة الأزمات الاقتصادية، فإن بعضهم قد لا يكون قادراً على فهم السؤال، ويعتقد مباشرةً أن السائل يؤيِّد الاختلاس خفيةً، مع أن كل ما فعله السائل هو أنه وضع نفسه مكان المختلس، لكنه ظل محتفظاً بتجربته الحياتية ومشاعره الذاتية. إن السبب الآخر يكمن في الرغبة العارمة لدى الفرد في تعميم الحدث، فنحن نسأل مثلاً «ما سبب تفشِّي الأنانيّة لدى الرجال؟»، بدلاً من أن نسأل: «لم فُلان تحديداً، شخص أناني؟»، والدافع إلى تصرّفنا بهذه الطريقة يكمن في صعوبة تحليل الحالة الفردية المعطاة، بكل ملابساتها وتعقيداتها لذا نستعيض عن ذلك بالتعميم الذي يفقدنا القدرة على رؤية المشهد كاملاً دون رتوش. إن عدم القدرة على استيعاب دوافع الآخرين، والميل إلى التحليل السطحي لأفعالهم، يدفع الفرد إلى التوجّس من الناس المحيطين به، وينمِّي مشاعر الكراهية تجاههم، ففي محيط العمل يجد الشخص «المشاكس» نفسه معزولاً ومنبوذاً، مع أن البعض يدركون أنه يسعى فعلاً لمصلحة زملائه في العمل، لكنهم لا يجهرون برأيهم، ربما بسبب خشيتهم من فقدانهم لامتيازاتهم، وربما بسبب ميل الإنسان للتصرّف بجُبنٍ وخبثٍ في مواقف تتطلب إبداء الشجاعة والصراحة والإيثار!