وجودياتقال: لماذا يظل سر المشاعر يلهب العقول والقلوب والخيال حتى ونحن نتقدم نحو لحظة الفناء الحتمية.. هل للأمر علاقة بطبيعة وجودنا الإنساني السخيف، منذ بداية الخلق أم أن للأمر علاقة بالماهية التي طالما ادعيت أننا نصنعها بأنفسنا وجوداً وفعلاً وفكراً؟قلت: نعم ما أزال اعتقد اعتقاداً كأنه اليقين أن الوجود يسبق الماهية. وأننا نصنع ماهية وجودنا وفقاً لشرط الوجود نفسه، فإذا كنت تتفق مع هذه المقولة، فأنت وجودي الفكر والرؤية. وإذا لم تتفق، فأنت موجود فقط، ولكنك لا تفقه معنى الوجود ولا تسهم في صناعته!قال: رغم أنني لا أفهم كثيراً حكاية الوجود والماهية وأراها مجرد طلاسم ولعبة لغوية غير مريحة، فإنه يعجبني فيها قصة أننا نصنع ماهيتنا، وأصارحك القول إنني أحيانًا.. أريد أن أكون مثلك تمامًا فهل أستطيع أن أصنع ماهيتي على منوالك مثلاً؟!قلت: ولكن هذا ممكن عملياً بحسب الوجودية، فمصدر كيانك يكمن في ذاتك. أنت من تصنع ذاتك بالكدح والعمل والثقافة والاختيار الحر، فأنت من ينحت كيانك بنفسك وفق شروط وإمكانيات الوجود نفسه.قال: هذا ممتاز جداً! لقد أردت دائمًا أن أكون طويل القامة مثلك فهل يمكنني أن أكون كذلك؟.- مثاليات..قال: طالما أردت الأخذ بالمنطق المثالي المطلق للحياة، فأفلاطون يقسم العالم إلى عالمين؛ عالم المثل وعالم المادة، فالأول يكون في العالم العلوي حيث الكائنات أرواح غير ملتبسة بالأجسام تلتقي هناك وتتعارف وهي في الحياة المثالية، والثاني هو العالم السفلي الذي تلتقي فيه الأرواح بالأجساد فتثقل المادة ذاكرتها فتنسى أصلها الروحاني ولكن تظل نوازع الروح تجذب الإنسان إلى الروحانيات، وعندما يلتقي إنسان بإنسان في الدنيا وينجذب إليه لا يكون ذلك صدفة وإنما يكون علامة على أن الروحين كانا منجذبين في عالم المثل قبل الحياة الدنيا، أفلست هذه الحكاية جميلة ومتطابقة مع الواقع؟؟قلت: تطابق هذه النظرية مع الواقع يبدو كتطابق خرافات "حظك اليوم” المنشورة في صفحات السخافة والتسالي في الجرائد، فالمشاعر الإنسانية تخترق الثقافة والدين والجنس والعمر وحتى اللغة ولذلك يبدو الأهم ضمن المشاعر الإنسانية المشتركة تماما مثل الألم ميزته انه يجمع بين الفرح والحزن بين اللذة والألم بين الأمل والخيبة بين الحياة والموت في النهاية ونحن بدون مشاعر أحياء كالأموات. فالعلماء أثبتوا أن مشاعر الامتنان والتقدير في القلب هي التي تعزز نظام المناعة لدينا؛ كما أنها هي التي تؤدي إلى زيادة الحيوية والنشاط البدني؛ إضافة إلى أنها تقلل من مستويات الهرمون المسؤول عن حدوث حالات التوتر، والقلق، وارتفاع ضغط الدم، وأن المجال المغناطيسي للقلب أقوى 5 آلاف مرة من المجال المغناطيسي للدماغ!وما أزال أعتقد أن الصحة تبدأ من القلب وليس من الجسم، ولذلك يقول العرب: فلان قلبه ميت أو قلبه حي.. فأرجو أن يكون قلبك ما يزال حياً، فهذا هو المهم في النهاية، فإذا كان القلب حياً فإنه ينهض بالجسم ويتجاوز العلة مهما كانت خطيرة.قال: إذاً كيف تصنف من فقد قلبه أم من أصيب قلبه بنوع من العلة؟قلت: قد يكون الواحد منا في المنزلة بين المنزلتين: بين الوجود العدم، ولعل أكثرنا هو في موقع بين الوجود والعدم... ومازال الحوار مستمراً..
Opinion
خيبة مشاعرنا.. حوار على قارعة الوجود
29 سبتمبر 2012