علاوة الخطر، ملف شائك بحاجة إلى وقفة مراجعة جديدة، تناولها أعضاء مجلس النواب في نقاشات عديدة كانت على نطاق موظفي الصحة والإسعاف ورجال الأمن، إلا أنهم لم يتطرقوا للمهن الأخرى التي تحمل في تفاصيلها جوانب خطر لا يدركها سوى من يخوض فيها.إن كان القصد من وراء علاوة الخطر تقدير المهنة الخطرة، فإن هذه العلاوة تأتي من أجل تكريم الموظف القائم بها، كونها تختزل معاني الاحترام والتقدير والامتنان، وهذه الصفات مطلوب ترجمتها من خلال هذا الحافز أو هذا الامتياز الذي يجب أن يكون لائقاً لمن تحمل مهنته صفة الخطر.تقول لي موظفة في إحدى الوزارات أنها تعمل في وظيفة البحث الاجتماعي، ولكنها تعاني من غياب أي تقدير أو تفهم لظروف مهنتها الحساسة، فهي تدخل بيوتاً متصدعة، تخفي جدرانها أنواعاً من المشاكل الاجتماعية من إدمان أو عنف وحتى اغتصاب، وهذه الزيارات الميدانية لا تلقى أدنى درجات التقدير من مسؤولها المباشر، رغم أنها قد تتعرض لأي خطر لا سمح الله أثناء عملها الميداني هذا.. ولكن من يبالي!في الوقت الذي يتوجب على المسؤولين التحلي بصفة المبادرة في إصلاح الخلل أو ضبط الأمور، وقياس الجودة، ورصد المكافآت أو الترقيات لمن يستحق، يبدو أننا لا نزال بعيدين عن هذا النموذج الرائد للمسؤول، فإن كنا نعيش عصر رفع شعارات الجودة والامتياز فإن هناك أصنافاً من أصحاب القرار لا يريدون سوى سير عجلة العمل دون الالتفات إلى مدى سرعتها أو صحتها والأهم صحة وسلامة من يقوم على تدويرها.علاوة الخطر، ملف شائك يتطلب اهتمام السلطة التشريعية، فكم من مهنة خطيرة تحتاج إلى تقدير العاملين فيها، وكم من موظفين يقومون بمهام عملهم رغم إحساسهم بالظلم، وحاجتهم إلى وجود من يقدر عملهم، فالمعادلة الصحيحة في الإدارة هو قيام المسؤول طواعية بتكريم موظفيه وشكرهم وتصحيح أوضاعهم ، ولكن على أرض الواقع لا يوجد من يتكبد عناء الاهتمام برعيته إلا فيما ندر، وهذا موقع خلل آخر يتطب تسليط الضوء عليه.مهن كثيرة مطلوب مراجعتها وتلمس جانب الخطر فيها، في زمن متغير أصبحت أوجه المخاطر متعددة ومتلونة، فهل يمكن لأصحاب القرار الاهتمام بهذا الأمر جدياً ووضعه على طاولة النقاش من أجل تحسين واقع المهن بما يضمن جودة الأداء الذي يوصلنا في نهاية المطاف إلى التنمية الحقيقية، أي تلك التنمية التي تلامس الإنسان والعمل في الوقت ذاته.كشفت دراسة بريطانية أن التأثير الإيجابي للراحة النفسية في العمل لا يقتصر على تحسين مستوى الإنتاج بل وأيضاً بالتقليل من مشاعر القلق أثناء مزاولة الشخص لعمله، وهذه الجزئية تحتاج إلى الكثير من الاهتمام والتدقيق لتحسين واقع المهن التي يتعرض العاملون فيها إلى أشكال ودرجات متفاوته من المضايقات والأخطار على حد سواء.