برغم ما نشاهده في القارة الأوروبية منذ التسعينات، لاحظنا كل شيء، نلاحظ الخطط التكتيكية، ونجومية اللاعبين والأندية، الأمور الظاهرية تكون مرئية جداً أي أنها واضحة، إذا أردنا الارتقاء فلن تفيدنا الأمور الظاهرة بقدر ما ستفيدنا الأمور التي تقع تحت بطانة الخفاء كتأثير أسلوب اللعب على نفسية الخصم، أو أخلاقيات الفريق وثقافته، بل حتى الاستقرار الفني أو الإداري.ما الذي جعل من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا منظومات قوية، ورغم أنهم لا يملكون سوبر ستار، ولكنهم يملكون الاستقرار الفني، نعم هو الاستقرار الذي أبقى برانديللي مكانه رغم عامه الأول المخيب، هو الاستقرار الذي جعل من لوران بلان يلعب كرة فرنسية حديثة، هو الاستقرار الذي صنع لألمانيا هرماً تدريجياً لا نعرف متى يحين وقت ذروته، لا أتكلم عن المهارات وأساليب اللعب، فهي بلا شك عنصر هام للفوز، ولكن الفوز يأتي في مرتبة لاحقة، فأنت عندما تبني فريقاً عليك أن تضع آثاراً متعاقبة، منها أن تخسر ومنها أن تغرق مع نقد الإعلام اللاذع، ولكن عليك أن تستمر لو كنت "تؤمن” بطريق مشروعك حتى يتحقق الهدف الحقيقي من الاستقرار.و كما نعلم بأن الاستقرار هو من أهم عوامل تطبيق المشروع والإبقاء عليه، وأقولها صريحاً، لولا تجربة يورو 2008 لما وصل المنتخب الألماني لمستواه في المونديال الأخير، ولولا المونديال الأخير لما شاهدنا المنتخب الألماني بهذا المستوى الآن، ولنلحظ بأن كل تلك السنين جرت تحت طاقم واحد بقيادة يواكيم لوف ومساعده هانزي فليك، بقيادة واحدة وطريق واحد نحو غاية لا غيرها، ليست حصد بطولة بل إنها الإبقاء على الهرمية، وهذه هي الفلسفة الحديثة في العمل الإداري نحو تطبيق المشروعات.وما ذكر ليس اختزالاً على الألمان فقط، بل على كل الفرق التي وثقت بمدربها كأيرلندا وكرواتيا وهو إحدى أسباب تميز بطولات اليورو فنياً عن غيرها!الاستقرار مادة نادرة جداً، فإذا طبقت يسير الفريق نحو مزيد من التجارب ونحن نعلم تماماً عزيزي القارئ ما أهمية التجارب سواء في الحياة أو في الكرة حتى، هي الحياة هكذا على من يراها جميلة وعلى من يراها تعيسة فمع مرور الزمن أو حتى الأيام يخرج هذان الاثنان بنتيجة وخلاصة واحدة، ليست التجربة، ولكن القيمة في تلك التجربة والعصارة.يا له من يورو كريم، بمجرد مرور بضعة أيام علمنا قيماً جاءت أمام أعيننا بعدما كانت فوقها، حقاً إنها ليست بطولة كرة جلدية، بل حضارة تُكتب !