على هامش تشييع جنازة البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان يوم الجمعة الثامن من أبريل عام 2005م، جرت مصافحة غريبة وعجيبة بين كل من الأسد والرئيس "الإسرائيلي” الأسبق موشيه كتساف، وأخرى بين الأخير والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وهو ما كشفت عنه الإذاعة العامة "الإسرائيلية” مؤكدة بأن كلاً من كتساف والأسد جلسا في صفين متتالين ثم تبادلا عبارة صباح الخير وتصافحا أثناء الجنازة، ثم اقترب الأسد من كتساف وصافحه مرة أخرى بعد انتهاء المراسم.وكعادة كل فضيحة تلحق بدول الممانعة الكاذبة نفت كل من إيران وسوريا الحادثة جملة وتفصيلاً، رغم أن الصور كانت تظهر وجودهم إلى جانب بعض، كما جاء على لسان د. عماد فوزي الشعيبي رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية في حديث للجزيرة، مؤكداً أن الموقف السوري واضح وليس لدى دمشق شيء تخفيه، وأن "إسرائيل” تسعى لترويج أكاذيب توحي بازدواجية الموقف السوري.ثم عاد الإعلام الأسدي ليؤكد كذب ما نفاه، وأن المصافحة جرت بشكل عرضي، في تأكيد واضح وصارخ أن الإعلام الرسمي العربي، إعلام كاذب وملفق.وعلى هامش هذه المصافحة كتب عبد الباري عطوان مقالاً رائعاً في توصيف الحالة بعنوان "مصافحات جنائزية”، نشر في صحيفته القدس العربي، جاء فيه: "فالزعماء العرب، وقادة الدول الثورية على وجه الخصوص، باتوا يشاركون بحضور هذه الجنازات، ليس من أجل أداء واجب العزاء، وإنما من أجل البحث عن أياد إسرائيلية لمصافحتها، على أمل الحصول على صك بالاعتراف، وإذن رسمي بالدخول إلى القلب الأمريكي، عبر البوابة الإسرائيلية!.. القيادات العربية الحاكمة، والنظام السوري على رأسها، تفضل التنازل والانبطاح للإسرائيليين والأمريكان على التجاوب مع مطالب شعوبها المشروعة، لأنها وببساطة شديدة، لا تخشى هذه الشعوب، بل لا تعترف بها على الإطلاق”.ويواصل عطوان كلامه الثوري: "ماذا سيقول الرئيس السوري وأجهزة إعلامه للمعارضة اللبنانية، التي اتهمها بالاستقواء بالأمريكان، والاتصال بالإسرائيليين، بعد هذه المصافحة، بل ماذا سيقول للسيد حسن نصر الله، قائد حزب الله، الذي خرج على المألوف قبل بضعة أيام، عندما أشاد بالرئيس السوري ونظامه، كقلعة للصمود والمواجهة قل نظيرها في زمن التطبيع العربي الرسمي مع الكيان الإسرائيلي؟! .. الأخطر من ذلك، كيف سيبرر النظام السوري، بحرسه القديم والجديد، إعدام الآلاف من السوريين الشرفاء بتهمة العمالة للأجنبي، والاتصال بالسفارات الغربية بعد هذه المصافحة المزدوجة والمتعمدة مع الرئيس الإسرائيلي؟ إنه التطبيع المجاني، ومحاولة البقاء في سدة الحكم بأي طريقة كانت، ولأطول فترة ممكنة، ودون انتظار أي مقابل سياسي، فالمهم هو الاستسلام كلياً للعدو الغاصب، ويضيف عطوان: "كنا نعتقد أن النظام السوري سيكون آخر المطبعين، ليس لأنه الأقوى والأكثر وطنية، وإنما لأنه الأكثر معايرة واستعلاء على صغار المطبعين وكبارهم، ولأن أراضيه محتلة، وسوّق سابقة التوريث للشعب السوري على أساس مبدأ الاستمرارية الثورية، وكم كنا مخطئين في اعتقادنا.فقد أثبتت هذه المصافحة المتأخرة، صحة كل ما تسرب من لقاءات سرية بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين في عواصم عربية وأجنبية، لاستئناف المفاوضات” ويختم عطوان مقاله: ".. أما الدكتاتوريات الفاسدة فتقود شعوبها من هزيمة إلى أخرى! المصافحون لم يشيعوا البابا فقط إلى مثواه الأخير، وإنما شيعوا آخر ما تبقى من القيم والمبادئ والأخلاق والكرامة العربية أيضاً؟!”وقد كان مقالاً وطنياً رائعاً من الكاتب عطوان، وإن تجاهل الحديث عن الرئيس الإيراني خاتمي، لحاجة في نفسه، رغم مزاعم إيران بأن سوريا يدها المقاومة في بلاد الشام، بالإضافة إلى حزب الله في لبنان، وكان يجب أن يعطي المقال حقه بالحديث عن صانعي بشار، وخاصة أنهم ظهروا في الخيانة شرّق. ثم تحول بعدها عطوان بقدرة قادر، وخصوصاً بعد إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، إلى صف هذه الدول التي وصفها بأنها فقدت كل القيم والأخلاق والكرامة العربية، ليجعل منها دول مقاومة وشريفة، ويحاول جهده أن يستر عوراتها، رغم ظهورها البين.ما أعادني إلى مقال عبدالباري عطوان، حادثة تكررت بنفس الطريقة العجيبة السابقة، وبنفس الخيانة والأدلة الدامغة، وفضيحة جديدة بحق رئيس دول المقاومة المزعومة "أحمدي نجاد” بحضوره مؤتمراً يتواجد فيه إسرائيليون، فماذا يفعل نجاد في هذا المكان، أهو لمصافحة أياد إسرائيلية، ولما عجزت يداه أن تصل إليها، اكتفى برد التحية لهم من بعيد!!الأمر الذي وصفته صحيفة "هاآرتس” بـ "الحادثة المفاجأة” والذي حصل يوم الخميس 21 من شهر حزيران الحالي، خلال المداولات في مؤتمر "ريو+20” في قضايا جودة البيئة، والذي عقد في مدينة ري ودي جانيرو في البرازيل، وفيها وجه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التحية لأعضاء الوفد الإسرائيلي، وأشارت الصحيفة إلى أن الوفدين قد جلسا في نفس الصف، ولا يفصل بينهما سوى أربعة أعضاء، وقد رأس الوفد الإسرائيلي عضو الكنيست "كرمل شاما هكوهن” والتي أشارت إلى أنها حظيت بإيماءة رأس وابتسامة من الرئيس الإيراني، وكتبت في موقعها: "الحقيقة هي أنه من مسافة قصيرة جداً، فإن الرجل بدا كبائع بذور أكثر من قائد برنامج نووي، وربما هذا أخطر ما في الأمر”. ويبقى السؤال البريء؛ ماذا تفعل دول المقاومة المزعومة في أماكن يتواجد بها إسرائيليون، وهي ترفع شعارات المسح لهم؟! وأين عطوان عن هذا الحدث التاريخي ليؤرخ له، كما فعل مع الأسد الذي صافحت يده يد الإسرائيلي كتساف؟! قبل أن يصبح من أكثر المداحين له، وهل سيقول بحق نجاد: "وكم كنا مخطئين في اعتقادنا. فقد أثبتت هذه التحية، صحة كل ما تسرب من لقاءات سرية بين مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين في عواصم عربية وأجنبية، لبيع البلاد الإسلامية للغرب”، بدل الحديث عن خرابيط في تحديهم لإسرائيل، أم أن عطوان صاحب وجوه متعددة، يدير مقالته أينما دارت به الدنيا!!
Opinion
على هامش مؤتمر «ريو+20» وفضيحـــــــــة نجـــــــــاد المــــــــــدويــــــــة
29 يونيو 2012