قبل عام من اليوم كنَّا نتساءل عن اختفاء العقلاء من القوم، كنَّا حينها نفتش عنهم ونستغيث بهم من أجل البحرين، كما كنَّا ننتقد غيابهم من الواقع البحريني، وعدم لعبهم الدور الحقيقي في ترطيب الأجواء وتنقيتها من روائح الكراهية.هذا بالأمس، ومازال الوضع مستمراً إلى اليوم، حيث لم يتغير شيء، فهؤلاء العقلاء فضَّلوا البقاء في الظل، إما خوفاً من أن تصيبهم حرائق الفتن، أو أنهم أدركوا جيداً أن المجتمع ما عاد يستمع لصوت العقل. نحن ربما نلومهم أحياناً، وأحياناً كثيرة حين نقرأ واقع المجتمع، نلتمس لهم الأعذار، وبين هذا وذاك مازال الأمل قائماً.هذا بالأمس، أما اليوم وبعد أن بانت ملامح المرحلة والمعركة في المنطقة، وبعد أن بدأت طبول الحرب تقرع من قريب، وكل جيش من الجيوش العربية والأجنبية بدأ يجهِّز نفسه للحرب، وبعد أن تحركت أساطيل الدول الكبرى نحو مياهنا، حتى تكدست في موانئنا العربية، أصبح نداؤنا إقليمياً ودولياً وليس محلياً.بالأمس كنَّا نطالب أن يتدخل الأفراد من العقلاء، أما اليوم فإننا نطالب أن يتوقف التحريض الدولي لحرق المنطقة بأكملها. نطالب من الدول أن تتعقل ونطالب من الدول الكبرى أن ترحل، لأن الخاسر الوحيد لو نشبت الحرب لا قدر الله، ستكون شعوب المنطقة ودولها، أما أولئك فإنهم لن يخسروا سوى بضع جنود.ما يؤخر واقع الحرب في منطقتنا العربية، هو أن مصالح الدول الكبرى وأطماعها ما زالت رهينة لبراميل نفطنا العربي، فلولا الذهب الأسود والأصفر لما ترددت تلك الدول القبيحة بحرق المنطقة عبر مشاريع صهيونية وأمريكية وروسية، فما يؤجل الحرب، هو رهان النفط، ولا شيء سواه.مازالت كلينتون نشطة تقطع المنطقة العربية ذهاباً وإياباً، تزيد من التوترات الحاصلة، تبشر العرب بالحرب، وبين هذه الزيارة وتلك، تقوم بترويج بيع الأسلحة الأمريكية لدولنا العربية بأثمان باهظة!.اليوم غير الأمس، فإذا كنَّا بالأمس نناشد الأفراد، فإننا اليوم نطالب الدول العربية أن لا تنساق خلف طبول الحرب الأجنبية، وفي المقابل نقول للدول المجنونة الكبرى، أن كفوا أيديكم عنَّا، لأنكم في نهاية المطاف، لن تدفعوا فاتورة المعركة، بل سيدفعها العرب لا غيرهم.صحيح أن الشعوب العربية تتوق إلى المزيد من الإصلاحات والحريات والديمقراطية، كما تطالب بالتغيير نحو الأفضل، وهذا حقها المشروع، ولا يمكن لأي حاكم مصادرة هذه الإرادات الشعبية الحرَّة، لكنها في ذات الوقت، لن تقبل أن تدخل في حسابات حروب إقليمية معقدة وشرسة، ليس لها فيها ناقة أو جمل، بل كل ما في الأمر، أن الدول الكبرى تريد أن تمارس تصفيات حساباتها على أراضينا، وهناك من العرب اليوم مع الأسف الشديد، من يقوم بهذا الدور بالوكالة عن واشنطن وموسكو.البعض يعتقد واهماً أن الحرية ستأتيه عبر بوابة الحرب، أو عن طريق دول فاسدة ترفع شعار الحرية وهي أبعد ما تكون عنها، بينما لا يمكن أن يكون الإصلاح الحقيقي إلا من خلال شعوب مدركة واعية، وحكام عادلون، وما دون ذلك يعتبر أبشع أنواع الانتحار العربي.