اختص الله تعالى في أيام دهرنا مواسم تعظُم فيها الطاعة والعبادة والقربة لله تعالى، فهي مواسم جليلة ونفحات ربانية خصها الله لهذه الأمة، لرفعة الدرجات، والفوز بأعلى الجنات، فقد أخلف الله تعالى الأمة عن قصر أعمارها ببركة عملها، ونفحات دهرها، فمواسم الخير في السنة لا تنقض، يخرج المؤمن من عبادة ليستقبل أخرى، فمن لا يطيق فضيلة يجتهد في غيرها، ومن فاتته فرصة للخير يغتنم أخرى.فطوبى لمن تعرض لهذه النفحات، واستغل الفرص قبل الفوات، فقد ورد في الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى, فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ».وإن من أعظم المواسم الربانية والنفحات الإلهية شهر رمضان المبارك، فهو فرصة ذهبية لا يجب ضياعها أو التفريط بها، وهو ميدان للتسابق في الخيرات لنيل أعلى الدرجات، والفوز بجنة عرضها الأرض والسموات، يقول النبي «صلى الله عليه وسلم»: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ».وهذا الموسم العظيم ينبغي للعاقل اللبيب، اغتنامه في الطاعة والعبادة والقربة لله تعالى، فإن الإنسان لا يدري ما يعرض له من مشاغل الحياة، ولا يدري من يطالبه فيما بقي من حياته، فالمرض مطالب له ناقض للصحة، والموت قاطع لطريق الحياة، فمادام الإنسان في سعة من صحته ونفسه وماله؛ فليبادر بالأعمال الصالحة قبل الفوات، يقول المصطفى «صلى الله عليه وسلم»: «اغتنمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قبلَ مَوْتِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وشَبَابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وغِنَاكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِك».قال ابن القيم -رحمه الله-: « إن الرجل إذا حضرت له فرصة القربة والطاعة، فالحزم كل الحزم في انتهازها، والمبادرة إليها، والعجز في تأخيرها، والتسويف بها، ولاسيما إذا لم يثق بقدرته وتمكنه من أسباب تحصيلها، فالعزائم والهمم سريعة الانتقاض قلما ثبتت، والله سبحانه يعاقب من فتح له باباً من الخير فلم ينتهزه، بأن يحول بين قلبه وإرادته، فلا يمكنه بعد من إرادته عقوبة له، فمن لم يستجب لله ورسوله إذا دعاه، حال بينه وبين قلبه وإرادته، فلا يمكنه الاستجابة بعد ذلك».فبادر إذاً مادام في العمر فسحة وعدلك مقبول وصرفك قيموجد وسارع واغتنم زمن الصبا ففي زمن الإمكان تسعى وتغنموسر مسرعاً فالسير خلفك مسرعٌ وهيهات ما منه مفر ومهزمفهن المنايا أي واد نزلته عليها القدوم أم عليك ستقدمفلنعمر أوقات هذا الشهر العظيم بما نفرح به يوم تبيض الوجوه، ولنسابق في الخيرات فرمضان قد أنفرط عقده، ولنسارع للأعمال الصالحة مصداقاً لقول المولى عز شأنه: «وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ». اللهم اجعلنا من المتقين؛ الذين يغتنمون مواسم الخيرات وبالجنات يغنمون.