لقد طغت تطورات الأحداث في المشهد السوري على ما سواها، سواء في العالم العربي أو في المشهد الدولي ورغم الجهود الدولية والعربية المشتركة، التي تمثلت في مهمة عنان وخطة السلام التي أطلقها والرقابة الدولية في سوريا، إلا أن المهمة كانت محكومة بالفشل، لأن كل طرف من أطراف النزاع كان يتوقع منها دوراً مختلفاً، ولهذا كما قال عنان لم تمض الخطة بدعم أطراف النزاع.لقد كان الجميع يمتدح خطة عنان ويعملون ضدها، عملياً روسيا والصين عطلتا المهمة بمنع اتخاذ قرار في مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وبهذا فقدت المهمة أكبر عامل ضغط على النظام السوري للجنوح إلى حلول وسط تسهل الوصول إلى تسوية سياسية.وكانت النتيجة عكسية؛ إذ شجع الفيتو الروسي والصيني والدعم الإيراني النظام السوري لاستخدام كامل طاقته العسكرية لحسم الصراع بغض النظر عن الخسائر البشرية ولهذا كان نظام الأسد الذي ادعى أنه قبل مهمة عنان، وطبق كافة بنودها خلافاً للواقع في سباق مع الزمن لإنهاء الصراع حتى لو دمر مدن سوريا وحولها إلى ارض محروقة تحت سمع وبصر فريق المراقبة الدولية الذي أوقف مهمته بعد أن أصبح في مرمى النيران.وفي المقابل اتجهت المعارضة السورية بعد المعاناة الإنسانية والجرائم التي ارتكبت في مختلف مدن سوريا إلى تغيير المقاومة المسلحة للرد على الهجمة العسكرية للنظام، وتبين لها أن مهمة عنان تراهن على تغيير في موقف النظام السوري ثبت أنه لا يمكن حدوثه في ظل الوضع القائم حالياً سواء في مجلس الأمن أو على الساحة السورية.من الواضح أن قدرات الثوار السوريين قد تطورت بشكل نوعي من حيث التنظيم والتسليح والقدرة على استخدام حرب العصابات وضرب مفاصل مهمة في النظام السوري، ومن حيث نقل المعركة إلى أهم معاقل النظام في العاصمة دمشق ثم في حلب، فلقد أصبح للمعارضة المسلحة أسنان تدمي النظام، ومع أن الصراع بين قوة عسكرية ثقيلة السلاح، ثقيلة الحركة، وقوى خفيفة السلاح، خفيفة الحركة، إلا أن الحاضنة الشعبية للجيش الحر والثوار أخذت تتسع بفعل المآسي والجرائم التي تسبب بها النظام في معظم أنحاء سوريا وبخاصة في المدن والأحياء والقرى السنية، مما أعطى الصراع بعدين الأول طائفي والثاني غير إنساني لا يرى بديلاً عن القتل والتدمير.لقد كتبت يوم الإعلان عن مهمة عنان؛ أن مهمة عنان ستدخل في نفس المتاهة التي أدخل النظام السوري فيها مهمة البعثة العربية، فالنظام سيعلن قبول كل شيء ولن ينفذ أي شيء، وسيدّعي أنه لم يفعل أي شيء وسيكابر ويدّعي أنه يتعرض لمؤامرة خارجية لها عصابات في الداخل وسيعتبر كل من يعارضه من هذه العصابات مع أنه واجه شعبه بجيش يقصف عشوائياً بالطائرات والمدافع عن بعد ويدمر المدن والأحياء، ثم يلحقها بعصابات أمنية من الشبيحة تذبح الناس بالسلاح الأبيض، وهي قصة يعرفها جميع السوريين ولا يخفيها النظام.وقلنا عندما أعمت القوة عيون النظام السوري إن العنف الذي أغرى النظام، سيفتح تدريجياً الأبواب الخلفية للأزمة لتوسيع دائرة الصراع المسلح، والتدخل الخارجي والانقسام والصراع الداخلي، ليتسع الرتق ويستعصي على الراثي، وتتحول سوريا من لاعب رئيسي في أحداث المنطقة إلى ملعب للصراعات الإقليمية والدولية، من صراع لا أحد يعرف كيف سينتهي ولا مدى الأخطار التي سيخلفها على التوازنات القائمة في المنطقة.الأزمة السورية تتدحرج، ليس باتجاه الحسم كما يعتقد النظام، ولكن باتجاه قد يخرجها في النهاية من أيدي أطراف الصراع إذا طال أمد عدم الحسم في الساحة السورية أننا نرى بوادر التدخل الدولي بالتسليح والدعم للثوار، كمقدمة لمرحلة أكثر حسماً عندما يغرق النظام نفسه في الجرائم التي ترتكب بشكل جماعي، ضد شعبه وضد الإنسانية.الأزمة السورية لا تخلو من عنصر المؤامرة بمعنى التحريك الخارجي الذي استغل تدهور الأوضاع في سوريا؛ لكن المؤامرة الحقيقية هي الظلم والاستبداد الداخلي والانفراد في الحكم، والفساد والتهميش الطويل لإرادة أغلبية الشعب السوري، وهو الإرث الذي يتركه النظام العربي الذي ورث تركة الاستعمار الأجنبي، وكان في كثير من تجلياته وأساليبه، نسخة مشوهة عنه، إلا من رحم ربك