من هو الشخص التالي الذي سينشق عن نظام الرئيس بشار الأسد بعد رياض حجاب والعقيد يعرب الشرع ابن عم فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية، ومناف طلاس صديق الرئيس وابن وزير الدفاع الأكثر إخلاصاً وولاء لعائلة الأسد طوال فترة حكمها؟هذا هو السؤال الذي أصبح على لسان الجميع بعد أن باتت حركة الانشقاقات عن النظام شبه يومية، وتمتد من ديبلوماسيين إلى عسكريين وسياسيين، فضلاً عما يتردد عن اعتكاف مسؤولين في الداخل، لم يعلنوا انشقاقهم أو يهربوا إلى الخارج. وهكذا بات حال النظام السوري مثل حال باخرة تشرف على الغرق، ويسعى من يستطيع من ركابها للهرب إلى اليابسة قبل النهاية المحتمة التي يراها الجميع. والسؤال هنا: هل تلوم رياض حجاب لأن "صحوة ضميره” تأخرت واكتشف "نظامَ الإرهاب والقتل”، كما وصفه أمس، بعد أن اقتربت أعداد القتلى من عشرين ألفاً خلال الشهور الستة عشر الماضية؟ أم تثني على شجاعته في مواجهة مخاطر النجاة، بينما الركاب الآخرون ينتظرون في مقاعدهم اللحظةَ التي سيغرق فيها ربان السفينة؟لم يكن معروفاً عن رياض حجاب أنه صاحب أحلام سياسية ويسعى إلى الانقلاب على النظام القائم ليقود منصباً بعد انتصار الثورة. فالرجل "زراعي” في زي حزبي، وليست السياسة على كل حال من المواصفات التي أتت به إلى رئاسة الحكومة في سورية، فالكفاءات السياسية لم تكن يوماً من الصفات المطلوبة لهذا المنصب. في أحسن الحالات، رئيس الحكومة السوري موظف من الدرجة الأولى أو ما فوقها بقليل، لذلك كان المراقبون يعودون إلى مواقع البحث مثل "غوغل” وما شابهها ليبحثوا عن هوية رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على هذا المقعد في ظل بشار الأسد، مثل رياض حجاب ومِن قبله عادل سفر، الذي نجا بنفسه وعاد إلى بيته، وقبله محمد عطري ومحمد ميرو، والآن ... عمر غلاونجي.من المبالغة النظر إلى انشقاق رياض حجاب بأكثر من كونه رمزياً، نظراً إلى أن الانشقاقات التي يمكن أن تقض مضجع النظام فعلاً هي تلك التي يمكن أن تحصل في دائرته الضيقة، المذهبية والعائلية، أو تلك التي قد تحصل في القيادات الأمنية التي تشرف على تنفيذ الأوامر العسكرية على الأرض. لكن رغم ذلك، فإن قدرة المعارضة على الوصول والتنسيق مع المسؤولين داخل أجهزة الدولة إلى رئيس الحكومة نفسه، من شأنها أن تقلق النظام وأن تزيد من حذره حيال التعامل مع الوزراء والمسؤولين على كل المستويات. ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الحذر إلى الاعتماد أكثر فأكثر على أقرب المحيطين بالرئيس مما يؤدي إلى تزايد الانشقاقات بين المسؤولين في الدائرة الأوسع بسبب الحذر منهم وإبعادهم عن مركز صنع القرار.لقد كان من البديهي أن يؤدي الإيغال في العنف وفي أعمال القتل إلى هذه النتيجة، فالنظام الذي وضع نفسه في موقع "العداء” لأكثرية شعبه، حسب التعبير الذي اعتمده رئيسه، كان لا بد أن يتوقع أن معاونيه سوف يتخلون عنه بعدما بلغت نسبة المجازر والتهجير في المناطق التي ينتمون إليها حداً لم يعد يطاق. ليس غريباً بعد هذا أن يفكر ابن طلاس بمدينة الرستن، وابن حجاب بدير الزور، وابن الشرع بدرعا، بعد أن انكفأ النظام إلى التفكير فقط في أبناء عشيرته ومذهبه ومنطقته، وصولاً إلى شن حرب باسم هؤلاء على أكثرية أبناء البلد في سبيل البقاء في الحكم.هذا هو المعنى الحقيقي لانشقاق رياض حجاب، وهو يفوق في بلاغته أي معنى آخر، مهما حاول النظام أن يلمّع الصورة وأن يهون من قيمة الرجل، على رغم أن إعلامه وصف حجاب يوم تعيينه رئيساً للحكومة بأنه "رجل المرحلة الحالية والمقبلة”. والمعنى من الانشقاق، أن بشار الأسد استطاع خلال السنتين الأخيرتين أن ينزع عن حكمه كل الشعارات التي نجح والده طوال ثلاثين سنة في تزيين نظامه بها، سواء منها العروبية والقومية، أو تلك التي منحته غطاء داخلياً واسعاً يتشكل من أبناء الطوائف السورية المختلفة ويحميه من تهمة "حكم الأقلية”.? عن «الحياة» اللندنية