بغض النظر عن نتائج الأزمة السياسية وتداعياتها الراهنة، فإنه لا قيمة ولا معنى للدولة عندما لا تتعلم من أخطائها، ولا تتعلم من سياساتها التي لم تجانبها الصواب. هذا هو المهم في الأزمة، وهذا ما يحمله المواطنون عندما يقيّمون سياسات الدولة حالياً على صعيد السياسة الداخلية أو حتى على صعيد السياسة الخارجية. فدائماً ما تجد السؤال: ألم تتعلم الدولة من أخطائها بعد؟ أثير خلال الأيام القليلة الماضية موضوع متابعة تقرير المراجعة الدورية بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، والذي نوقش مطلع الصيف الماضي. حينها استطاعت البحرين تحقيق إنجازات جيدة، ولكنها بالمقابل وجهت لها العديد من الانتقادات، خاصة في ظل عدم رد الوفد الحقوقي الرسمي على العديد من التساؤلات التي فاقت 150 سؤالاً هناك. اليوم تثار تساؤلات تتعلق باستعدادات البحرين لتقديم تقرير المتابعة مرة أخرى خلال الأسابيع المقبلة، فالوزير في إجازة سنوية، وقائمة أعضاء الوفد لم يتم الإعلان عنها حتى الآن، خاصة وأن الوفد السابق عرف عنه اهتمامه واستمتاعه بجلسات المقاهي ورحلات التسويق في جنيف! وتساؤلات أخرى تتعلق بعملية "اللوبي” التي يفترض أن يقودها وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان باعتباره المعني الأول بالملف الحقوقي على مستوى الحكومة. هذه العملية معقدة نوعاً ما، ومن درس أو مارس الشؤون العامة يدرك جيداً أنها تحتاج وقتاً، وأن نجاحها مرتبط بالاستعداد الجيد. الوزارة أعلنت رسمياً أنها قامت بـ«استعدادات جيدة”، وأن الوزير قام بعملية اللوبي لحشد الدعم والتأييد لموقف البحرين في مجلس حقوق الإنسان من خلال سلسلة طويلة من لقاءاته مع السفراء الأجانب في المنامة!هل تكفي اللقاءات مع السفراء العرب والأجانب في البحرين لحشد الدعم والتأييد لموقف البحرين؟لا أعتقد ذلك تماماً، فتجربة الأزمة كشفت للبحرين أنه لا يمكن الاعتماد على السفراء العرب والأجانب المقيمين في المنامة لأن كثيراً منهم لم ينقلوا وجهات نظر صحيحة ودقيقة عن البحرين، ولذلك اضطر الكثير من الوزراء ومن بينهم وزير الخارجية مثلاً لزيارة العديد من العواصم العربية والأجنبية لعرض وجهات نظر البحرين وما يحدث فيها، ولم تكتفِ الدولة بالجلوس مع السفراء في المنامة فقط، لأنها طريقة غير مجدية أبداً. وزارة الدولة لحقوق الإنسان تؤكد استعداداتها وأنها على قدم وساق، وأن التقرير جاهز منذ فترة، وأعد بشكل جيد، وأنها ستكشف عن تفاصيله لاحقاً!لا أعتقد أن هذا الأمر مقبول، فكيف يمكن للوزارة أن تضمن تأييد الرأي العام البحريني والدولي، وتضمن دعم الحكومات العربية والأجنبية إذا لم يطلع عليه أحد حتى الآن. ويبدو أننا بحاجة للانتظار حتى تعقد الجلسة وبعدها نقرأ التقرير لنحاول إقناع أنفسنا وإقناع الرأي العام بأن التقرير جيد، وأن ما حققته البحرين يسير في السياق الصحيح بناءً على توجيهات مجلس حقوق الإنسان. لنستعرض تجربة ثلاث دول، وهي؛ تونس والمملكة المتحدة والإكوادور، فهذه الدول تمر بنفس التجربة التي تمر بها البحرين، ويمكن بسهولة الحصول على نسخة من تقريرها لمجلس حقوق الإنسان على الإنترنت حتى يطلع الرأي العام عليه، وتطلع المنظمات الحقوقية الدولية عليه أيضاً، وكذلك مختلف الحكومات، ومن ثم تتم عملية حشد الدعم والتأييد. أما بالنسبة للتجربة البحرينية فإن التقرير يجب أن يبقى سرياً إلى أن يُعرض على المجلس، فمقتضيات الشفافية تتطلب ذلك، وحتى لا تطلع عليه المعارضة الراديكالية وتمارس نشاطاً مناهضاً ضده!المسؤولية الوطنية تتطلب أن يتحلى كل مسؤول بالشجاعة الكاملة ويعترف بالأخطاء، ويحاول تصحيحها، ويبذل قصارى جهده لأن يكون أداؤه وأداء المؤسسة التي يديرها أفضل من السابق. ولكن في حالة وزارة الدولة لحقوق الإنسان فإنها مسرورة عندما تتهرب من المسؤولية ولا تكترث لواجباتها الوطنية عندما تعترف إعلامياً وتؤكد أنها ليست المسؤولة عن الرد على التقارير الحقوقية والإعلامية الدولية لأن هناك العديد من الجهات والمؤسسات تتولى هذه المسؤولية!اللافت بعد هذا التعامل مع المسؤولية الوطنية من قبل وزارة حقوق الإنسان، تقوم الوزارة بالرد على تقرير إعلامي تناول إساءات حقوقية ضد البحرين نشر في 23 أغسطس الماضي، ليكون الرد بعد 10 أيام من صدور الإساءة، هذا هو الاحتراف الذي تنشده الوزارة. قد تكون هذه هي المعادلة التي تعتمد عليها الوزارة في تجربتها المقبلة. هذا الطرح لا يعني البتة عدم حرصنا واهتمامنا دعم وفد البحرين في مجلس حقوق الإنسان، ولكنه يعني أننا مازلنا نراوح في مكاننا، أي مكانك سر، ولا قيمة لنا إذا لم نستفد من تجاربنا. أعتقد أن أي فشل في التجربة المقبلة بجنيف، ليس فشلاً لأعضاء الوفد الرسمي، وإنما فشل للبحرين بأكملها قيادة وحكومة وشعباً، فالإنجازات والإجراءات والخطوات التي تمت خلال الفترة الماضية في مجال حقوق الإنسان، والتحول الديمقراطي، وهو ما ينبغي احترامه والتعامل معه بقدر خاص وأكبر من المسؤولية الوطنية بدلاً من الاستمتاع بأجواء الرحلات البحرية.