دار نقاش في الأيام الماضية حول مشروعية النصيحة العلنية للحاكم، وتبنى بعض طلبة العلم الدعوة إلى النصيحة العلنية وبيان مبرراتها وأدلتها الشرعية من وجهة نظرهم بالنشر عبر تويتر أو في الواتس آب وفي حقيقتها ما هي إلا أدلة عامة أو مبتورة أو لم يُحسن فهمها في إطار الأدلة الشرعية الأخرى، أو يُستدل بما حدث من بعض الصحابة عند الحكام ولم يكن في غيبته، أو يكون فيها خلط بين المفاهيم الشرعية المختلفة، فأثارت نقاشاً وأحدثت حراكاً، كان لابد معه من وقفة منهجية شرعية، يجلى فيها النصوص الشرعية والمفاسد الواقعية التي جاءت الشريعة لتقليلها والحد منها.إن النصيحة من الأمور الشرعية التي بها تصلح المجتمعات وتُقَوّم، وبها خيرية هذه الأمة، وأدلتها مقررة في النصوص الواضحة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، كحديث ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) وكحديث ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر))، إلا أن النصيحة كما لا يخفى لها شروط وضوابط فلابد أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، ويراعى فيها حال المنصوح، ومآلات النصح، والأسلوب الشرعي.كذلك نصيحة الحاكم تحاط بخصوصية لكونه الممثل لوحدة الأمة وتكاتفها ويرعى مصالحها الشرعية الدينية والدنيوية، وللمكانة وللهيبة التي ينبغي أن تحفظ له جاء التوجيه النبوي لمناصحته سراً فعن عياض بن غنم قال لهشام بن حكيم ألم تسمع يا هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فليأخذ بيده فليخلوا به فإن قبلها، قبلها وإن ردها كان قد أدى الذي عليه) رواه الحاكم صححه الألباني في السنة لأبن أبي عاصم 1098، فالنصيحة سراً أقرب إلى النفس وأسهل للقبول، كما يروى عن الشافعي نظماً:تعمدني بنصحك في انفراديوجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوعاًمن التوبيخ لا أرضى استماعهإن النصيحة العلنية للحاكم لها مفاسد عدة، وجانب المفسدة غالبه على تحقيق المصلحة، ومن ضوابط إنكار المنكر أن لا يؤدي إلى إحداث منكر أكبر منه، فمن هذه المفاسد:1- في هذه النصيحة تحريك للكراهية والبغض وملء القلوب بالشحناء تجاه الحاكم، وقد يتبع ذلك إنكار باليد والتشنيع عليه وتفكك المجتمع وتفكيك جماعة المسلمين، فالناس ليسوا على درجة واحدة، وقد يضبط العالم تصرفاته وأقواله، في حين أن عموم الناس لا يمكنهم ذلك، وفي الحديث (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم).2- يترتب على النصيحة العلنية البغضاء والتقاطع والفوضى وعدم استجابة الناس لما يأمر بالمعروف وسقوط هيبته، ومتى ذهبت الهيبة لم يستجب ولم يسمع العموم لجميع أموره وترتيباته الإدارية وتنظيماته العملية.3- في النصيحة العلنية أو ما تسمى بذلك نشر وإشاعة للأخطاء والمنكرات وترسيخ لها، والدلالة عليها، وقد يكون ذلك طريقاً لتسهيله على الناس والتعود عليها.4- تنتقل النصيحة لولي الأمر على المنابر وعبر شبكات التواصل والقنوات الفضائية من نصيحة مشفقة يراد بها الإصلاح إلى التشفي والتشهير والانتقاص، وهي بذلك لا تكون مقبولة غالباً من المنصوح.5- النصيحة تحدث عند الناصح نوع من النشوة والانتصار والقدح في النية والصدع بالحق، لأن بعض الناصحين يتخذ هذا النوع من تشهير الحكام وذكر المثالب دون المحاسن إلى الشهر والذكر والإعجاب بين الناس فيندفع إليها.إن المنهج السليم للنصح أن يناصح الحاكم بالكلمة الحسنة واللينة بينه وبينه، والمراسلة إن أمكن، أو إيصالها إلى من تعتقد بأنها سيوصلها إلى الحاكم فليس من الضروري أن تبلغ الحاكم أنت مباشرة، وبحمد الله هذه الطرق كلها سهلة ميسرة معروفة لمن أراد أن يسلكها، نسأل الله أن يصلح البلاد والعباد.