يتصوّر المفكر التربوي الدكتور محمد جواد رضا أن ثمة خمسة أوهام رئيسة تتلبّس العقل العربي، وأوّلها وهم الهويّة الذي يتمثّل في اعتقاد العرب بإمكانية إعادة صناعة العالم، وتعيين مكانهم فيه لغوياً مما أغرقهم في التاريخ، ولم يمكِّنهم من صنع تاريخ جديد يشدّهم إلى العالم الحقيقي المعاصر. ولحّل هذا الإشكال، يجب استبدال مفهوم الهوية التاريخي بمفهوم وظيفي يمثِّل "صورة الذات” الراهنة، وظهر الوهم الثاني، وهو الاعتقاد بأن الذكر أعلى مقاماً من الأنثى، كرّد فعل على تعاظم دور المرأة في الحياة الاجتماعية في المجتمع العربي، وتحرّرها النسبي من التبعية الاقتصادية للرجل، مما وضع سيطرة الرجل المطلقة عليها موضع المساءلة. أما الوهم الثالث، وهو أعلويّة الفكر الغيبي على الفكر العلمي التجريبي، فقد تجسّد في احتلال الدراسات اللغوية والتاريخية مساحةً أوسع في الكتب المدرسية قياساً للعلوم الطبيعية والرياضية، مما أدّى إلى إبعاد الناشئة عن روح العلم، وحرمانهم من تذوٌق مغامرات العقل. وبينما يُعزى وهم الخوف من الحداثة والديمقراطية إلى هيمنة ثقافة الخوف في المجتمع، مما يتطلب من التربية صنع إرادة التغيير لدى أبناء الأمة العربية، يعبِّر وهم الإحساس بالاضطهاد العالمي لدى العرب عن عجزهم عن فهم دورهم في الوضع العالمي الجديد، ويأتي تبريراً لعدم محاسبتهم لأنفسهم. وفي المحصلة يرى الباحث أن استغلال الأمة العربية لإمكانات القوة المختزنة فيها سيمكِّنها من البقاء في سباق الأمم إلى المستقبل والانطلاق إلى الأمام، والتحرّر من الأوهام الخمسة المذكورة. إن الوهم هو الحالة التي يدرك فيها الشخص الواقع إدراكاً خاطئاً، وينتج ذلك عن سوء الفهم أو سوء التفسير للمدركات الحقيقية لحواسِّه الخمس، ومن ثم فإن سيطرة ثقافة الخوف من الحاضر، ومن الغرب، ومن حرية الفكر، ليست إذن وهماً، أو هكذا نعتقد، بل هي مشكلة حقيقية تواجه المجتمعات العربية، بسبب تخلّف البنية الاقتصادية التحتية، والنزعة للمحافظة والجمود والانغلاق على الذات، كما إن الخوف من الحداثة يصنع تدريجياً الوهم بأن "التقدّم التكنولوجي بمثابة الفأس في يد المجرم المريض نفسياً”، على حد تعبير عالم الفيزياء ألبرت اينشتين، فهل سنواصل استيراد منتجات التكنولوجيا الحديثة من الدول المتطوِّرة حتى لا يقع الفأس في الرأس؟!. ^ أستاذ التربية بجامعة البحرين